كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

حل أخيرا موعد الرحيل فغادرث قربص وتركت أمي ووالدي وشقيقتي الصغرى ومررت على تبسة لأخذ أمتعتي وتكفلت شقيقتاي المتزوجتان بتنظيم أمتعتي وتزويدي بزاد وفير للسفر ثم غادرت تبسة.
عند وصولي الجزائر العاصمة، كان أول انشغالاتي، بعدما حجزت غرفة في الفندق، هو التوجه لنادتي الترقي. وكان جو الإصلاح لا يزال سائدا. وقد تبين لي أن صورة الحاكم العام فيوليت (Violette) كانت معلقة على أحد جدران قاعة النادي. لقد كنت شخصيا مغفلا بخصوص العديد من المسائل، ولكن ليس لحد أحسب فيه أمثال فيوليت أو غودان (Godin) في عداد (أصدقاء العرب). وقد أحدثت صورة الحاكم العام السابق في نفسي صدمة كبيرة.
ومهما يكن، فقد كان علي أن أنتظر عودة الشيخ العقبي مما اصطلح على تسميته (درسا) كان يلقيه في أحد مساجد العاصمة. وفي انتظار قدومه، تعرفت على بعض الشباب الذي كان حاضرا في النادي. وأذكر جيدا أحد أبناء ميزاب الذي أدهشني بثقافته الغربية. وبحسب علمي فإن وسط بني ميزاب لم يكن قد أمد الجزائر بمثقفين بعد، فاندهشت. هل يتعلق الأمر بمفدي زكرياء، البطل الوطني لاحقا، عميل المكتب الثاني؟ ربما. وقد كنت أنا شخصيا أرى الدهشة مرتسمة على وجوه المستمعين الذين جذبهم حديثي وأفكاري. وأنا اليوم أدرك ما تعانيه هذه العقول المحبة للبلاغة الأدبية كما كانت (ولا تزال) عقول الكثير من الجزائريين، بحضور شاب

الصفحة 43