كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

جزائري يمكنه أن يثير انتباههم بفعل الشكل اللبق والسهل لتعبيره وبفضل ما ضمنه من محتوى. فبالفعل ومنذ وجودي بباريس، أحسست بأني مختلف عن إخواني المسلمين، حتى في المجال الديني حيث لم يكن إيماني تأمليا وحسب بل عمليا. فقد أصبحت ذلك العقل البراغماتي والعلمي الذي لا يمكن لواقعيته ودقته إلا أن تفاجئ عقولا تعودت عدم الدقة وغياب الواقعية.
ومن جانب آخر، فقد هذبني وجودي بباريس ومكنني من اكتشاف عقلي. وكانت حيويتي الفكرية تدفع بثقل العقل الجزائري وتزعزعه، بعد أن أصبح عقلا أهليا (esprit indigène). وباختصار، لم يثر هذا الاحتكاك، سخط أي من الطرفين.
ووصل العقبي أخيرا، وتوجهت إليه معانقا بكل احترام، إذ كنت أظهر له التقدير الكبير. ويجب أن أقر بأن هذا الاعتبار يفوق الذي أكنه للشيخ عبد الحميد بن باديس لسببين. فقد كان ابن باديس يقطن المدينة، وكان في اعتقادي، في ذلك الوقت، أن الانحطاط الحضاري يتجلى بالأخص في ساكن المدينة أكثر مما يتجلى في البدوي. والعقبي كان في نظري بدويا.
وكنت أعلم من جانب آخر أنه قاد المعركة ضد المرابطية في جريدته (L'Echo du Sahara) (صدى الصحراء) التي كان يصدرها ببسكرة. وبما أني كنت دوما ضد الشعوذة والمرابطية فقد كنت أتوسم في العقبي زعيما للإصلاح عوض ابن باديس. ويجب أن أضيف أيضا أن هذا الأخير ترك لدي انطباعا سيئا بعد حديث قصير.

الصفحة 44