كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

جرى بيننا بقسنطينة في سنة 1927. ففي حقيقة الأمر أن شخصية المتحمس الشاب الذي كنت وقتها، أصابتها خيبة أمل بفعل غيابة أي صدى لدى الشيخ بن بادبس عندما حدثته عن مسعاي وعما قمت به في الجنوب الوهراني لخلق وعي لدى سكان المنطقة من خطر الاستعمار المتربص بأراضيهم (¬1). لقد توقعت - كأي شاب عمره 22 سنة - تشجيعا وتهنئة من لدن الشيخ الذي ظهر متحفظا وباردا ولم يدعني حتى إلى الجلوس. فهل هذا هو السبب الذي جعلني وبصورة مبهمة، أفضل عليه العقبي؟ الله وحده أعلم. كما أني لم أكن لأخفي هذا الاختيار الذي كان أحيانا محل نزاع بيني وبين بن ساعي. واعترف أنه هو الذي كان على حق. ولكننا كنا في سنة 1932 وكان العقبي الذي عانقته للتو في أوج عظمته.
وبعد تقديم الشاي، تناولت الموضوع مخاطبا العقبي:
- أيها الشيخ، ما رأيكم في محاضرة بن ساعي؟ لقد سبق وأن قيل لي هنا أنها كانت مؤثرة.
كان الشيخ يتأوه من التعب، تعبا تسببت فيه الدروس التي كان يلقيها في المسجد ومن العرق الذي كان يندي جسمه. وقد صدمتني من البداية شكواه المبالغ فيها لأني كنت أرى في هذه المبالغة شهادة عن هم جسدي باعتباره علامة أو عيبـ (عالم) يسعى لإحداث انطباع لدى الناس بأنه مرهق فكريا. و (عالم) لا يشتكي من بواسيره أو من
¬__________
(¬1) المقصود سكان آفلو بولاية الأغواط أين عمل بن نبي عدلا في المحكمة لمدة قصيرة (انظر بالتفصيل .. (مذكرات شاهد القرن)). (المترجم).

الصفحة 45