كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

وبطبيعة الحال كنت أبعد من أن أدرك الآثار التي سترتبها هذه العلاقة على الشيخ العقبي وعلى الإصلاح.
تركت العاصمة دون أن أنشغل كثيرا بالجانب الجديد الذي رأيت فيه الشيخ العقبي. ولم أرد حتى التفكير في الموضوع حتى أحافظ على بعض قناعاتي.
بوصولي إلى باريس، عاودت ربط الصلة بحلاوة بالحي اللاتيني المنتعش حركة وابتهاجا بالدخول المدرسي والجامعي. وكان يتولد لدي انطباع دائم أشعر به في الجدران السوداء والنصب والآثار كمدفن الخالدين المسمى البانتيون (Le Panthéon) حيث ترقد عبقريات الأمس والسربون والكوليج دي فرانس حيث ستنبثق عبقريات الغد. وأحس في أعماق نفسي بالنور المنبثق من هذه الأحجار السوداء وأدرك لماذا تسمى باريس بـ (مدينة النور). وكنت أتوقف عند كل هذه المعلقات والملصقات الجامعية التي كانت تزين كل أركان الشوارع، ابتداء من شارع (أولم) حتى نهج (سان ميشال). وكنت أتوقف أرباع الساعة أمامها متأملا. وكانت تجذبني وتسترعي انتباهي أكثر من الملصقات الانتخابية أو الإعلانية التي تغطي جدران كل مدينة حديثة.
وكنت أحيانا استغرق في مطالعة البرامج الجامعية في زاوية من زوايا الشارع فتسرح مخيلتي في تأمل عميق يخوض في كل ما يفصل بين العالم الإسلامي والعالم الغربي من مسافات وفروق.
وكانت هذه المطالعة تمنحني فكرة مخيفة عن هذا البون الذي أحاول قياسه. وكان الإحساس بتخلفنا الرهيب يحط من نفسي

الصفحة 47