كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

ويجعلني أحس بالإهانة الكبيرة. ولم ألاحظ أي طالب مسلم يقف متأملا أمام هذه الاعتبارات، فيعظم تأسفي ويزيد. وكان الاتصال الذي ربطته مع الطلبة السوريين والمصريين في جمعية الجامعة العربية، أي العناصر الأكثر وعيا في مجموع (النخبة) المسلمة، قد خيب آمالي. وإذا استثنيت فردين أو ثلاثة تميزوا بقوة شخصيتهم، على غرار السوري فريد زين الدين والمصري القبطي فريد صليب، فإن البقية لا قيمة لها. وليس المقصود هنا أنهم بدوا لي مجردين من الذكاء. فلم ألمس مطلقا لدى مسلم عامة ولدى سوري خاصة هذا الشعور بالفراغ الذي يوحيه نقص أو غياب ذكاء قط، غير أني كنت أحس لدى إخواني في الدين قلة في الهمة والنفس وغياب الرعشه العميقة أمام منظر جلي للحضارة. بالنسبة للمصري كانت الفرصة سانحة لتناول المرطبات والحلويات في متاجر (فايف أوكلوك) (five o'clock) أو مغازلة فتاة جميلة ثم الظفر، في نهاية المطاف بلقبـ (أستاذ) أو (دكتور). وبالنسبة للسوري فقد كان الأمر سيان علاوة على نشوة شعرية كانت تسمو به إلى حد الثمالة. وبخلاف بن ساعي وأحيانا
علي بن أحمد، فإني لم ألمس لدى أي مسلم في الحي اللاتيني، أضعف انشغال بالقيام بحصيلة مقارنة بين الحضارة العربية والحضارة الغربية، في وضعهما الحالي، محاولة فهم العلاقة الحقيقية بين المستعمر -بكسر الميم- والمستعمر - بفتحها. وأنا أعي الآن لماذا أنظر إلى المسألة الجزائرية، على الخصوص، من زاوية الحضارة عوض زاوية السياسة.

الصفحة 48