كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

وكان وعيي بـ (العلم) الغربي الذي اكتسبته في الحي اللاتيني، يتعزز باكتساب وعي بـ (الروح) المسيحية في نادي اتحاد الشبان المسيحيين. وبخصوص المسألتين فقد كنت، للأسف، مضطرا للاعتراف بتأخر المجتمغ الإسلامي.
غير أن هذا الوعي المزدوج المكتسب قد أحدث تأثيرا خاصا على طباعي. فقد سعيت لتمديد وقتي وعقلي لاستيعاب كل (علم) الغرب وتوسيع روحي لاستيعاب وفهم وإيصال القيم الروحية المسيحية لإخواني في الدين. وفي مثل هذه الاستعدادات النفسية باشرت، بعد أيام من وصولي باريس، السنة الدراسية 1932 - 1933. وفضلا عن تسجيلي بالمدرسة الخاصة لعلم المكانيك والكهرباء قمت بتسجيل نفسي في بعض الدروس الأخرى في المعهد الوطني للفنون والمهن، كالكيمياء الصناعية والكيمياء المخصصة للغزل والنسيح. فكان برنامجي والحال هذه، محملا. كما حصل خلاف ظرفي بيني وبين الأخوين بن ساعي بعد أن قصصت عليهما الموقف المتعجرف للعقبي حيث عاتباني على عدم إبلاغه بسوء تصرفه ولومه في حينه. فأصبحت علاقتنا معدمة تقريبا. ثم رحلت وزوجتي للسكن في شارع صغير في المقاطعة الخامسة عشر غير بعيد عن باب فرساي، فشغلنا غرفة عند أرملة حتى نتجنب الذهاب للعيش في الجو العمومي للفنادق. وفي هدوء بيتنا الصغير، كانت زوجتي تخيط وتشدو وكنت أعمل وأذكر الله. ولم يكن للحوادث الخارجية تأثير على حياتنا في هذا الجزء الريفي من باريس.

الصفحة 49