كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

ولم أغادر البيت إلا يوم السبت مساء. وكانت زوجتي هي التي تفرض علي الخروج حيث كانت ترى في ذلك ضرورة لعقلي وصحتي، لأنني كنت مشتغلا بكل ما أوتيت من طاقة طول بقية الأسبوع. وكانت مادة الرياضيات تمارس علي نوعا من السحر الأخاذ الذي يستبد بي كاملا، فتجدني ألقى في المعادلات والصيغ نوعا من الشعر الآسر أعظم مما أجد في الأبيات. وكنت أضيف لها رمزية صوفية، رمزية حضارة العدد، كما سأعبر عنها لاحقا. وكانت هذه الدلالة تبدو لي من خلال وجود معلمي. وكان مدير المدرسة، بخاصة، يتجلى لي في صورة قديس يتوجه للعلم وينذر نفسه له. وبالفعل، فقد أسرتني قداسته، منذ لقائنا الأول عندما ذهبت لتسجيلي. وقد خاطبني يومها قائلا:
- السيد بن نبي، عندما يشغلك سؤال تصعب الإجابة عنه، فاطرحه في (دفتر الأسئلة) الموضوع في متناول التلاميذ. وسيتولى الأساتذة الإجابة عنه أثناء الدروس , وإذا تعذرت الإجابة عنه في الحين، لأننا لا نعلم كل شيء، سندرسه ونبحث فيه خصيصا حتى نجيب التلميذ، في حدود إمكانياتنا.
لقد أدهشي التواضع الذي أبداه هذا (البحر من العلوم) الحقيقي وهو يعترف بأنه لا يعلم كل شيء. وتذكرت بإشفاق تحذلق (العلماء) الجزائريين الذين لم أعرف منهم أحدا يقر بجهله ويعترف بقصور علمه في مسألة من المسائل. وسأضيف، علاوة على هذا الجانب، أن ما أثار انتباهي في أوروبا هو روح العلم (L'esprit de la science) أكثر

الصفحة 50