كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

من العلم نفسه. ثم أدركت بعدها أن هذه (الروح) بهذا التألق وهذه الجاذبية الإنسانية، أي كل فعالية العلم الغربي، تمر دون أن ينتبه لها أحد من غالبية الطلبة المسلمين الذين يسعون عند قدومهم أوروبا الظفر بشهادة جامعية فقط. وهكذا، وبإلحاحها علي بالخروج مساء السبت، فإن زوجتي إنما كانت تسعى لتنتزعني لبعض الوقت من شيء ما اتخذته رهبنة وينهكنى جسديا.
غير أن هذه الهنيهة لا تمنحني راحة البتة. كنت أذهب إلى (مقهى جزائري) هو مقهى (الهقار) الذي فتح بالحي اللاتيني، فأجد هناك ألوان النميمة والتفاهات وتناقضات الحياة الجزائرية وبشاعتها وعفونتها، ووجه الإنسان القادم من شمال إفريقيا المنعم حديثا والذي يترك نفسه في مهب ريح الحياة على الطريقة الباريسية. والمظهر الخارجي لهذه الحياة الباريسية التي نجدها في جميع المواقع التي يمكن للأجنبي أن يلجها، ووجه العامل القادم من جبال منطقة القبائل أو من الهضاب العليا العربية البربرية، ولكن من غير أن يقدم جهدا (ولم يحثه عليه أحد) كما يقدم اليهودي القادم من الحارة (الغيتو) في بولونيا مثلا، والذي يمضي في غربته بكل عزة، وأخيرا وجه المثقف المسلم الذي يستجدي ربحا ما لأنه يعتبر أن مجهوده الفكري والمعنوي كاف للفوز بلقب المحامي أو الدكتور أو، مرة أخرى، منصب نائب الوالي.
وكنت أذهب كل سبت مساء تقريبا، وبعد أن أعرج على اتحاد الشبان المسيحيين، لأفرغ في هذا الوسط الشمال إفريقي الباهت

الصفحة 51