كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

والحقيقة أن أطيب الأوقات التي كنت أقضيها خارج عملي وبيتي، إنما كانت في اتحاد الشبان المسيحيين، حيث تحمست جماعتنا للمسائل الخاصة بالشمال الإفريقي إلى حد أن اتفاق حصل لإنشاء ودادية فرنسية - شمال إفريقية. فكنا نجتمع يوم الأحد من كل شهر، في منزل سيدة نبيلة كنا نلتهم خوانها الزاخر بالمأكولات الشهية ونستمتع بموسيقى جيدة كانت تتحفنا بها من خلال. اللعب على أوتار آلة تنبعث من خلاها مقطوعات لفاغنر وتتفاعل معها بإحساس عاطفي. لأني لأدين بشكل خاص لهذه الاجتماعات ولاتصالاتي في (اتحاد الشبان المسيحيين) ببناء فكري قائم على بعض القيم الضرورية للحياة الغربية. وإتي أدرك أن هذا البناء لا يمكن أن يشيد لا بالكتاب ولا بالعرض. وعليه كم كان إخواني في الدين الأكثر تعليما بـ (أشياء) أوروبا يبدون لي قليلي المعرفة بحضاراتها.
وكم من مرة -وأنا استعرض ديني عاليا (وربما بمبالغة) - شاركت فيها بالكثير من العاطفة القداس مع أصدقائي من الشباب المسيحي. وهكذا فإن إنشاء (ودادية فرنسا-شمال إفريقيا) لم تكن إلا تتويجا باد للعيان لصداقتنا.
وقد أحدث هذا التتويج قلقا وشكا لدى محمد الفاسي الذي قال لي عندما صادفني في أعالي نهج سان ميشال وهو يستنشق تبغه: - ليس لكم أن تدرجوا اسم طلبة شمال إفريقيا في وداديتكم.
وقد اعتبرت هذه الملاحظة مجرد إحساس بالغيرة إذ رآنى (رئيسا) لتجمع أحدث صدى في باريس واستطاع أن ينظم أمسية فنية شارك فيها عدد من المواهب منهم المترفعين ومنهم المثيرين للريبة.

الصفحة 54