كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

لم يكن سرا، بطبيعة الحال، أن جماعتنا تهدد جديا بكشف الاستعمار وإظهاره على حقيقته أمام النزهاء من الفرنسيين. ولا أقصد بالطبع أن بومنجل والفاسي يعيان جيدا الأدوار التي يؤديانها ولكنهما يقومان بها وهما مدركان نتائجها على الأقل من وجهة نظر مصلحتيهما الشخصية. ولم أكن، والحال هذه، شريرا مع الإثنين. وحتى أبرهن للفاسي في حينها، أني لا أكن له شرا فقد دعوته لمنزلي لتناول طعام الكسكسي وقراءة الفاتحة لتثبيت زواجي شرعيا (¬1). ولم يتردد في قبول الدعوة، كما عهدته. ودعوت لذات المناسبة العزيز الراحل ثامر (¬2). وقد حضر الشاهدان في اليوم المعلوم. غير أن الفاسي أبدى فضولا قويا، وأنا أفهم ذلك. فبعد الطعام وتلاوة الفاتحة، بدأ يسأل زوجتي خاصة حول وضعها قبل الاقتران بي. وكان علي أن أتدخل لوضع حد لأسئلته:
- ها قد قبلت امرأتي هذه أن تكون زوجة لي، وعليه فإني سأمنحها صداقا قيمته ربع دينار. أي ما يقابل أربع فرنكات بصرف اليوم.
وبالفعل فقد سبق لي أن دفعت لزوجتي القطع النقدية الأربع والتي احتفظت بها، ولا تزال، بعد عشرين عاما.
¬__________
(¬1) تزوج بن نبي السيدة بوليت فيليبون Paulette Philipon التي أسلمت وتسمت بخديجة تيمنا بخديجة الكبرى، زوج الرسول صلى الله عليه وسلم، وعانت معه معاناة شديدة بسبب مواقفه. المترجم.
(¬2) الدكتور الحبيب ثامر (1909 - 1949) المناضل التونسي والمغاربي المعروف. توفي إثر سقوط الطائرة التي كانت تقله بمعية المرحومين علي الحمامي ممثلا عن الجزائر ومحمد بن عبود ممثلا للمغرب الأقصى، بعد عودتهم من مؤتمر إسلامي عقد بكاراتشي بباكستان. (المترجم).

الصفحة 56