كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

وباختصار فقد حمل الفاسي على الاكتفاء بقراءة فاتحة الكتاب وفعل المرحوم ثامر نفس الشيء وقد فهم واستهجن ما قام به الفاسي. وكنت متيقنا أن ذكر الله كان حاضرا في حفلنا الصغير بحضور ثامر على الأقل. وهكذا زوجني أحد ممثلي ماسينيون الذي قدم لجمع معلومات
عن زوجتي وأحد المسلمين الذي أصبغ بعض البركة على اقتراني.
غير أن هذه الحياة العائلية التي سويت شرعيا ونظمت بطريقة تسمح بالعمل والتأمل كانت تشوبها ظلال قاتمة تجعل أفقها مظلما، فأتنهد بعمق عندما تمر في مخيلتي. فقد كانت الحالة التي تركت فيها والدي تشغلني كثيرا. ولم تكن زوجتي تضع على خواننا البسيط شيئا حلوا من فاكهة أو حلوى دون أن أتساءل والقلق ينتابني: - ماذا تناول والداي المسكينان اليوم من طعام!؟
قد يشحذ هذا التفكير المقلق عزيمتي في العمل، غير أنه لم يزدد إلا ثقلا يحط علي. وكنت أغبط زملائي في الدفعة الذين لم تكن لهم مثل هذه الهموم مما يجعل ظروف عملهم مرحة.
ومن جانب آخر، كنت طلبت من أبي كثيرا من التوضيحات قصد معرفة حاله هل أعيد للعمل أم لا، دون أن أحصل على جواب. فأبي رجل لم يكن يعرف ماذا يعني تحرير رسالة لابنه لإعطائه معلومات عن العائلة. فقد كان يرسل لي عند نهاية كل شهر حوالة وينتهي الأمر. كما لم أكن أعتقد البتة أن نوع حياتي بباريس تزيد من تعقيد حالته المادية. غير أنني حكمت عليه نهائيا بالشقاء في منطق الإدارة الاستعمارية يوم لقائي بمصالي الحاج وبعض أصدقائه في مقهى الهقار.

الصفحة 57