كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

(نجم شمال إفريقيا). ولم يكن لدي شعور البتة بأن ما أقوم به سيدفع ثمنه أبي. وعندما أراجع نفسي اليوم، فإني أتعجب لكوني وقتها تركيبا للبراءة والنضج. لقد كنت أصغر كثيرا وأكبر كثيرا بالنسبة لسني في آن واحد.
تحدثت في الموضوع مع الأخوين بن ساعي. غير أن أفكاري لم تثر فيهما أي حماس. فحمودة كان يشك في أي شيء وكان يرى أن الأمر مجرد حيلة من الشرطة لكشف (النوايا التخريبية) لدى الطلبة المسلمين. أما صالح، الأكثر رزانة، فكان يرى أن الحكم على الشجرة يكون من خلال ثمرها. فيجب بحسبه التريث قبل إبداء أي حكم أو انخراط. وقد نبهته أننا إذا لم نساعد الشجرة حتى تثمر فلا يمكن أن نحكم عليها مطلقا. وأظهر تصلبا في مبدئه وتشبثت بدوري برأيي.
لما حل يوم اللقاء الثاني مع مصالي، كنت على استعداد، وقمت بإعداد أقصوصة لجأت فيها إلى إحدى حكايات عنزة وراعي الماعز بدت لي أنها تجسد جيدا (الظلم الاستعماري).
من خلف بومنجل في هذه الأمسية؟ لم أعد أذكر الوجوه جيدا حتى أحكم على الأمر. ولم يعجبني الجو رغم أنه لم يكن مكدرا ومزعجا. غير أني اكتسبت في اتحاد الشبان المسيحيين أعراض مرحض خاص بالعقلية البروتيستانتية الخاصة التي تتمسك بالفضيلة والطهرية. فلما رأيت الخمر توزع في هذا الاجتماع، أحسست بعدم الارتياح.

الصفحة 60