كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

وصاح رجل متحمس، كان ينشر وطنيته على بعض زملائه، وهو يشير إلى عدو خفي هو الاستعمار:
- والله سأجندله بضربة رأس، فلن يرى بعدها أبدا!
لقد حزنت لهذه الصورة. وأدركت للتو أن السياسة التي لا تبدأ بتكوين الإنسان، وتنشيط ذكائه ووعيه، ليست إلا (نطحة) ضد شيء خفي. غير أني كنت أثق في مصالي لتحمل هذه المهمة الجسيمة. وتواصلت السهرة. وبعد الخطاب جاء دور الموسيقى والرقص: رقص هز البطن المقيت. إنه أمر لا يتناسب والمهمة المنتطرة. جال بي البصر لبرهة نحو ما يشبه شرفة كانت فوق الموقع الخلفي للمسرح حيث كانت الراقصة تؤدي حركاتها والتواءاتها. لمحت مصالي وصديقه الذي كنت سأرى فيه اليوم الشرطي والذي أصفه كمساعد له عوض صديقه. كانا يطلان على المشهد. وأكثر ما كان يجذب انتباهي هو لباس مصالي الذي كان ملفوفا في قفطان فضفاض أخضر وكأنه خائف من نزلة برد. ورغما عني فقد تذكرت الشيخ العقبي، بعد درسه المشهود في مسجد الجزائر. وقد وضعني هذا التشبيه غير الإرادي في نوع من القلق المعنوي الذي لم أقدر على تحديده. وغادرت مع زوجتي المكان ونوع من الحنين ينتابني.
غير أن هذا الحنين تحول شيئا فشيئا إلى شك. فخلال هذه السنة، حافظت على صلتي بـ (الوطنية). وقد تمكنت تدريجيا من إقناع الأخوين بن ساعي بالفكرة. ثم راودتهما فكرة، من بنات أفكار صالح خاصة، بالتوجه إلى مصالي وحثه على استعمال نفوذه ووسائله،

الصفحة 63