كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

باعتباره زعيما وطنيا، لإنشاء مدرسة مسائية في باريس توجه لتعليم إخواننا الأميين. وتلتقي هذه الفكرة مع نظراتي وأفكاري الشخصية، وكنا نعتقد نحن الثلاثة أن قطاع التعليم الحر هو بالفعل ميدان المساهمة الفاعلة، من الزاوية السياسية، للطلبة الذين كان بمقدورهم استعمال وقت فراغهم في سبيل هذه المهمة الكبيرة والنبيلة. كما أن مسعى الإخوين بن ساعي مستلهم من الجامعة الشعبية التي أسسها الحزب الشيوعي الفرنسي بباريس لصالح العمال الفرنسيين. غير أن هناك فرقا. فالشيوعية عقيدة تريد أن تستعمل الإنسان، وتدرج، في مسعاها هذا، قضية تعليمه وتحسينه حتى يصبح فعالا. بينما الوطنية التي شرعنا فيها كانت نوعا من النزعة التجريبية العاطفية التي تنوي اللجوء إلى الكلمة. وبما أن مصالي لم يطلب من الجميع المشاركة بالحديث فقد كان الحضور يكتفي بالاستماع إلى خطاب الزعيم والتصفيق له، فضلا عن أن الزعيم لم يرد أن يتقاسم هذه الميزة مع ثرثارين آخرين.
ومن هنا فقد استقبل مصالي الأخوين بن ساعى بابتسامة عريضة، ووعدهما بأن رغبتهما (الواضحة جدا) سوف تنجز. ومر شهران أو ثلاث ولم يتحقق شيء، فعاد الأخوان بن ساعي وكررا الطلب ولم يتلقيا كرد سوى نفس الابتسامة وذات الوعد. وبدأنا نتساءل عن السبب الدفين الذي يخضع له مصالي في قصوره هذا. فكان محمد بن ساعي يرفع صوته نشوة بانتصاره على غباوتي. أما صالح فزاد من تحفظاته.

الصفحة 64