كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

وكانت روايات والدتي من الصدق في بساطتها إلى حد أنها تؤثر في نفسي أحيانا. فكنت أنسحب فجأة إلى غرفتي لأخفي دموعي. وكانت أمي ذات النباهة والعمق في الروح تحس بأوقات التأثر الشديد فتجد طريقة لمنحي فرصة للانسحاب.
وكانت تبدي لي أحيانا ملاحظات عجيبة. فقد حدثتني يوما مثلا بأن ساحة المسجد الحرام بمكة يعج بالحمام. وكان هذا الحمام الذي يقتات بفضل المؤمنين يطير جيئة وذهابا ويحوم على هواه ويحط في (ميزاب الرحمة). وأضافت بأنها لاحظت بأن الطيور لا تحلق أبدا فوق الكعبة.
أعرف أن لوالدتي عقل وضعي ودقيق. غير أن الملاحظة شدتني وأثارت تعجبي، فأردت المزيد من التوضيحات، فاسترسلت:
- طبعا، يا بني فأنا أيضا تعجبت للأمر. فعاودت الملاحظة مرات عدة وفي أوقات مختلفة، فاقتنعت بما رأيت.
كما روت لي انطباعاتها حول الأماكن والناس والسلطات.
السلطات السعودية، كما قالت، تقوم بمهامها بالتمام وعلى أحسن ما يرام في كل ما يخص راحة الحجيج والنظام العام. ويقوم جنود شباب على حراسة ابن سعود عندما يقوم بالطواف حول الكعبة. ويبدو لي أنهم يحبونه كثيرا. كما قدمت لي تفاصيل عدة عن الطبخ والحياة ومظاهر الناس الذين شاهدتهم:
- يبدو لي أن نساء مصر، على الأقل اللواتي رأينا، أكثر جرأة منا نحن نساء الجزائر. ثم أضافت: لا أعتقد أني رأيت من بينهن نساء أجمل من نسائنا.

الصفحة 71