كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

- سأنهي دراساتي في العاجل وستأتي خديجة لتجنبك كل المتاعب وتدعك لصلاتك ودعائك.
لقد كانت والدتي بالفعل ربة بيت فائقة، على علتها، وكانت تقوم بكل شيء من طهي وغسيل ونظافة لأن إمكانياتنا لا تسمح باستقدام خادمة.
أحسست، وأنا أودعها، بنظرتها العميقة وهي تلفني بحدة جعلت يدي ترتعش على الحقيبة. كانت واقفة في السلم. عندما وصلت الباب التفت فرأيت لآخر مرة عينيها الجميلتين مغرورقتين بالدموع:
- أه يا أمي إنك تبكين.
- توكل على الله، يا بني رعاك الله، أنا لا أبكي، ثم سكبت على السلم كأس من ماء، الماء الذي يدل في الرمزية الإسلامية على ضمان العودة.
اجتزت عتبة المنزل وأغلقت الباب دون أن أحس بأني أصبحت بعيدا، بعيدا جدا عن والدتي التي لن أراها أبدا في هذه الحياة الدنيا.
وكالعادة، كانت العودة إلى باريس في جو الدخول: البيئة الصاخبة للحي اللاتيني والأحاديث مع الأصدقاء والزملاء بعد غيبة دامت ثلاثة أشهر. ثم استئناف حياة الجد والكد ببرامجها وساعاتها وأفراحها وأتراحها.
كنت لا أزال أسكن وزوجتي في ذات العمارة التي آوتنا السنة السابقة، غير أننا غيرنا الشقة وأصبحنا مستأجرين لدى تاجر أصباغ كانت زوجته تشتغل سائر اليوم في المتجر الكائن في الطابق الأرضي مما يجعلنا في راحة تامة.

الصفحة 77