كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

ضاعفت من الجهد في العمل لأن تضحية والدي كانت تثقل ضميري أكبر من أي وقت مضى. ولم أعد أظهر في نادي اتحاد الشبان المسيحيين إلا مرات متباعدة.
غير أن رفاقي كانوا يزورونني يوم الأحد. وكانت زوجتي تعد لنا طبقا من الحلوى ونتبادل أطراف الحديث طوال الزوال , وكان موضوع مناقشاتنا يدور، كما هو الحال لدى الجميع، حول صعود هتلر إلى سدة الحكم. وكان المشكل اليهودي مطروحا. فكانت المواقف منقسمة بين المؤيدين والمعارضين. (المعارضون) كانوا يبتهجون عند كل فضيحة على غرار فضيحة ستافيسكي (¬1)، التي كادت هذه السنة أن تقضي على الحكومة. (المساندون) كانوا ينظمون صلوات من أجل (اليهود المساكين) الذين يلاحقهم البطش وتغلق متاجرهم في ألمانيا. ثم إني حضرت محاضرة لماسينيون لم أعد أتذكر أين ألقاها. وتحدث هو الآخر عن هذا (الاضطهاد الأعمى). وكان مما قال: - لقد كلمتني امرأة يهودية مسكينة هذه الأيام قائلة أنه لم يبق (لجنسها الملعون غير الانتحار).
غير أن هذه التمثيلية وهذا التظاهر أثارا تعجبي، ففكرت: تغلق المساجد في الجزائر وتحدث ملاحقات في فلسطين ولا يندد أحد. تغلق محال في برلين، فيستتبع الحدث سخطا عاما.
¬__________
(¬1) Stavisky: نصاب فرنسي مشهور من أصل يهودي، كادت قضيته أن تعصف بالحكومة الفرنسية وقتها. فقد تمكن من رشوة العديد من الوزراء والبرلمانيين والشخصيات النافذة للتغطية على أعماله الإجرامية وتحويله ملايين الفرنكات الفرنسية. أثار موته المريب في 1934، والتي ادعت السلطات أنه انتحار، موجة من الغضب لدى الرأي العام الفرنسي الذي طالب باستقالة الحكومة ورحيلها. (المترجم).

الصفحة 78