كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

طرحت على عقلي قضية الضمير والدين المسيحي بكل قوة، فأصبحت تشغلني وحاولت أن أفهم المشكلة. وساح فكري في مسائل تاريخية حاولت بكل شغف أن أجد لها تفسيرا. فقد اعتقدت أن الفكر المسيحي مرتبط عاطفيا وفكريا، ومتواصل مع فكر الحواري بولس (Paul) . من كان القديس بولس هذا الذي ينشط ويلهم كل الفلسفة المسيحية منذ تسعة عشر قرن؟ وبدأت أدرس بكل قوة الإنجيل والقرآن. فظهرت لى حقيقة تاريخية. لقد اضطهد بولس التلاميذ الأولين للمسيح في أورشليم حيث كان يتابع دروسه التلمودية. وهذه الحقيقة تؤكدها وتشهد عليها الصيحة التي ينسبها الكتاب المقدس إلى عيسى عليه السلام بعد وفاته، عندما التقى القديس بولس وهو في طريقه إلى دمشق:
- لماذا تضطهدني يا بولس؟
ونحن نعرف بقية القصة: أصبح بولس، بسحر ساحر، حواري الدين الجديد ومؤسس الفلسفة الجديدة الناشئة وأقعدها على فكرة (انتخاب إسرائيل).
وكانت ثمة أسئلة أخرى تفرض نفسها علي: لماذا سعى بولس دوما لتحويل رفيقه تيموتي (Timothée) وصرفه عن (بلدان الشرق) حتى وكأنه يريد أن يخص أوروبا دون سواها بالدين المسيحي. ثم إني كنت أرى في تاريخ إسرائيل ظاهرة محيرة: عندما أزفت ساعة الشتات، أي الخروج الثاني لهم خارج فلسطين، توجه اليهود نحو أوروبا التي لا تزال حينها متوحشة ودون تجارة،

الصفحة 79