كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

عوض التوجه نحو آسيا المتحضرة التي كانت تزدهر فيها التجارة. لم يطرح أي مؤرخ هذا السؤال الذي بدا لي مسلمة قطعية. وكان الجواب يفرض نفسه على ضميري.
لقد أحس اليهود غريزيا أن نفوذهم سيكون في أوروبا، أي في البلدان الوحيدة التي يمكن لهم أن يسيروا فيها الأفكار والرجال على هواهم.
تجلت لي لدغة العقل اليهودي (للروح المسيحية) في الصيحة التي أطلقها القيلسوف الكاثوليكي ماريتان (Maritain) الذي أجاب، بالمناسبة، شابا نصرانيا، تأثر بجو معاداة السامية السائد في تلكم الأيام، وهو يحدثه عن عيسى: (إني أمضي نصف عمري وأنا منحني أمام قدمي يهودي قلبه ممزق).
هذه العناصر تترتب في ذهني وكأنها أجزاء من عقيدة ترى في اليهودي المحرك الخفي للحروب الصليبية والاستعمار مرورا بمحاكم التفتيش، وهي عقيدة لا يمكن إدراكها من خلال بطرس المتنسك، ذلكم الجاهل الوحشي.
ثم لاحظت كيف بدأ فكري يلح تدريجيا الميدان الخفي حيث أرى فاعلا وحيدا هو اليهودي، بينما لم يظهر لي المسيحي سوى أداة، رغم بعض وعيه، فهو إنسان يحمل حقيبته ويذهب كل صباح إلى مكتبه، إنسان يحمل مزودته ويذهب إلى مصنعه خدمة لأغراض إسرائيل في هذا العالم.
ورغم أني كنت أعي الخطورة الكبيرة لأفكاري، فإني كنت أجاهر بها في كل مكان. وكنت أحدث بها أصدقائي مساء كل سبت في

الصفحة 80