كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

الهوقار وكانوا لا يشاطرونني آرائي. غير أن صالح بن ساعي قال لي سبع سنوات بعدها:
- لقد كنت محقا، فاليهودي يؤدي كل شيء. لقد أدركت أنت الأمر في عالم الأفكار أما أنا فقد أخذت وعيا بذلك في عالم المال والأعمال.
وكانت حججي لا تنصب على أشكال الأشياء ولكن على مضمونها، مما سيجعل مني (العقل الأخطر) الذي يمكن أن يتجلى لدى أحد (الأهالي) من سكان المستعمرات في شمال إفريقيا، وأنا أعي المسألة اليوم جيدا.
واليوم حيث اعتقد أن نهايتي قريبة بطريقة أو بأخرى، فإني لا أفكر في أي فخر: فلا أعتقد أن ملفي الحقيقي موجود لدى الحاكم العام أو في وزارة الداخلية وإنما في الفاتيكان أو في المجمع الديني اليهودي. وأنا واثق أن الذي يدرك الوزن النسبي للأمور سيفهمني بكل بساطة.
ومهما يكن، وكلما تعمقت في الأشياء، بدت لي مقاربة (الوطنيين) و (العلماء) سطحية، فالطرف الأول يعتقد أن بإمكانه حل قضية سياسية بالمهرجانات الخطابة في قاعة بوهلييه أو في قاعة لا ميتييل (¬1)، أما الطرف الثاني فكان يعتقد أنه بمقدوره حله بالنحو العربي.
غير أني حافظت على الصلة بالطرف الأول وكنت أدافع دوما عن الطرف الثاني، وكنت أقول أننا سنضع أنا ومحمد بن ساعي - بعد الدراسة - الأسس الحقيقية لسياسة جزائرية.
¬__________
(¬1) la mutuelle: وهي القاعة التي كان الوطنيون الجزائريون يخطبون فيها ويثرثرون ويطالبون بالحقوق. (المترجم).

الصفحة 81