كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

يقع في قلب المأساة الجزائرية. ففهمت من ساعتها أن كل ما لا يخص الانتخابات لا يدخل في ميدان السياسة، من وجهة نظر (الحكيم). وعندما هممت بمغادرته، ظن أن من الواجب أن يقنعني برهبانيتي، فقال بنبرة تعاطف حتى يقنعني بخطئي:
- أنتم الشباب، تريدونها صوفية.
لا أعرف إن كانت صدرت مني حركة إشفاق على هذه (الواقعية) الجديرة بواقعية عجوز قسنطينية مقتنعة أن واد الرمال هي حدود الكون، وأن أفكارها المسبقة تمثل عالم الأفكار الماضية والحاضرة والمستقبلية.
غير أني لما أقوم بعملية إسقاط على المستوى الإداري على الرجل الذي قابلته في الحين والأفكار التي ألهمني بها، فإني لم أر (مستقبلا سعيدا) للجزائر.
اللهم إلا إذا ....
أه! كم كنت استعجل وبن ساعي إنهاء دراستنا. أما راهنا فإني كنت احتقفل ببعض الآمال في (العلماء) وفي فريق مصالي.
وصلت باريس في مثل هذه الاستعدادات النفسية لإنهاء دراستي.
غير أن هذه السنة بدأت سيئه. فقد حل في المدرسة مدرب أظهر لي البغض والمقت. هل كان موقفه يعبر عن آثار أحداث قسنطينة في نفس صهيونية؟ كان شعره المتجعد يوحي لي بالأمر، علاوة على لون بشرته. كما أن عينيه القاتمتين توجهان لي ومضات كالسهام. فلو كان في ظروف أخرى لكنت سخرت من موقف هذا الغر الذي قدم إلينا من المدرسة العليا للكهرباء.

الصفحة 93