كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

ضحكت الفتاة مع زميلتها واحمر وجه صديقي واحتج وتذمر ساخطا قبل أن يتابع الحديث بجدية.
هذا هو بن ساعي من زاوية معينة , إلا أنه كان مثالا للاستقامة وكان يجسد الدقة والحرص وأكثر من ذلك كان هو أستاذي في فلسفة الإسلام. وأنا مدين له هنا بالتحية التي سبق لي أن وجهتها له في الإهداء الذي صدرت به كتابـ (الظاهرة القرنية). فقد علمني ومكنني من الولوج ل (روح) القرآن بطريقة لم يكن لأستاذ أزهري أن يقدر عليها. وقد أفادني معناه للقيمة الخلقية وأرشدني أكثر من مرة. واعتقد، أيضا، أن أفكاري هي ذات الأفكار التي لم تنضج عنده أو قل أنها لم تقطف فتهاجر عندي. عندما كنا نتناقش حول القضايا كان هو الذي يقدم الأفكار في الغالب وكنت أرتبها وأضمنها معنى مذهبيا. وما أكثر المشكلات التي تناولناها أنا وبن ساعي! والفضل لصديقي فهو الذي كشف لى موقعة صفين المشهورة وأثار انتباهي لها، وقد منحتها فيما بعد معنى منهجيا في دورة الحضارة الإسلامية وأطوارها. (¬1)
وكان الموضوع الوحيد الذي لم نتفق بشأنه هو (العلماء) إذ كنت مع الجمعية وكان هو ضدها على غرار علي بن أحمد. بيد أن اختلافنا لم يكن منصبا حول مضمون المسألة، فقد كان نشاط أعضاء الجمعية يبدو لي سطحيا خاصة بعد أن قدموا جمعهم
¬__________
(¬1) في تناوله للحضارة الإسلامية يعتبر بن نبي أن موقعة صفين تؤرخ لنهاية طور الروح في هذه الحضارة وتأذن لمرحلة العقل التي تسبق بدورها مرحلة الغريزة التي بدأت مع سقوط دولة الموحدين, (انظر كتابه (شروط النهضة)، مثلا) المترجم.

الصفحة 98