كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: المقدمة)

جيل من الأجيال المتعاقبة على الساحة عبر الساعة، بدليل أننا كنا مستقلين (قبل 1830) فاحتللنا، وكنا أسيادا فاستعبدنا، ثم وعينا فتحررنا ... ولا يوجد ما يمنع أن نحتل ونستعبد من جديد، لأن الزمان إذا كان غير الزمان، فالإنسان بنزواته ونزعاته و (قابلياته) دائما هو الإنسان، وكل جيل مسؤول عن أحداث عصره في مصره!!
ولذلك فمن الجديد الذي يجده القارئ في هذا الكتاب الفريد من نوعه، كما سيلمسه القارئ بنفسه، هو ما أظهره لنا من مخططات العدو وكيفية ترتيب أولوياته في التخطيط والتنفيذ، بإعطائها دوما للفكري على السياسي، وللسياسي على العسكري، وهو عكس الوضع السائد في العديد من البلاد (الوارثة) لطريقة الاستعمار في إدارة الأمصار ... فهي تعطي الأولوية للعسكري على السياسي، وللسياسي على الفكري والثقافي، وبتعبير آخر أولوية (البطنولوجي) على (الفكرولوجي)، فينقلب بذلك وضع الهرم، لتصبح القاعدة في الأعلى، والرأس مكان القدم!! فتنعكس القيم، في السيادة والإدارة والسياسة والحضارة ... ولهذا كان التنبيه في الكتاب إلى تحديد وتوضيح معالم الطريق وكشف منابع الفتن وجراثيم (العفن) التي شخصها الكاتب في موطن الداء، أثناء سنوات التحصيل في الثلاثينيات، وواصل رصد تحركها ومتابعة انتشارها بعد الرجوع إلى أرض الوطن في الأربعينيات (...).

الصفحة 4