كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: المقدمة)

ولقد كشف بالملموس عن طرق العدو في إدارة حربه الشعواء ضد هداة الطريق إلى التحرر واسترجاع السيادة والكرامة للمواطن قبل الوطن، لأنه لا يوجد وطن حر بمواطنين أذلاء مستعبدين، أو أجساد مخدرين، أو أحياء محنطين ... !!
وأقتصر هنا على التنويه بنقطتين كما أشرت آنفا.
الأولى، هي إظهار كيفية إدارة العدو لحرب الأفكار، بأساطين مفكريه وعلمائه وضباط مخابراته، ومنفذي مخططاته ... وسيكتشف القارئ الكريم أحد أكبر تلك الوجوه والأعمدة الفاعلة، من وراء كل المشاهد المسرحية الظاهرة، ألا وهو المنظر (لويس ماسينيون) المحضر لعقار (القابلية للاستعمار)، الذي ذاق المؤلف على يديه الأمرين، وكان بطل قصته المؤلمة المؤكدة بالأحداث والوقائع، والموثقة بالشواهد الحية التي سيكتشفها القارئ مثلنا لأول مرة، ولتعريفه بهذا المستعمر المنظر والمقرر والخبير بإدارة معركة المصير، هو أنه كان المرشح المفضل (استعماريا واستراتيجيا) لخلافة الأبـ (دوفوكو) الضابط الكبير المنصر المخبر، أو المخبر المنصر، الذي لقي حتفه على أيدي أبناء الجزائر في جنوبها الثائر سنة 1916، بعد أن قضى عشرات السنين في مسابقة الهلال لتنصير الجزائريين، وأتركه هنا يحدثكم بنفسه، كأستاذ (لماسينيون) مضطهد المفكرين الأحرار في الثلاثينيات، كما هو مثبت في هذه المذكرات (...).

الصفحة 5