وحينما نمر أمام منزل صديقي صاحب المقهى. لا ينسى أن يأخذ منه الجرن والمدقة (الهاون)، فنجلس في ضوء القمر الذي كان يضفي على الكاتدرائية جواً شاعرياً رائعاً.
بين تلك الحجارة التي تعود لألفي سنة مضت كنا نقضي الوقت بسحق السكر مع فستق العبيد أو (الزغولي) والصنوبر، وهي حبوب زيتية يستخرجها حطابو تبسة من ثمار شجر الصنوبر ويبيعونها في المدينة لزيادة مداخيلهم الهزيلة. تلك التسليات البريئة كانت تدخل البهجة في قلوبنا كما لو كنا أطفالاً.
في تلك الفترة كان صاحب مقهى جزائري يقع في حي البلدية، قد أدخل تجديداً على مقهاه باستيراده أسطوانة مصرية. وكان هذا يحدث لأول مرة في الجزائر.
والواقع أن الأسطوانة المصرية سوف تلعب فيما بعد دوراً بارزاً في تطور البلاد الفني والسياسي.
وكان الفضل في إدخال ذلك العنصر على الحياة الجزائرية يعود لتبسة. ففي قسنطينة كان الناس لا يزالون مع (المالوف malouf) (¬1) ، أما في مدينة الجزائر فلم يكن هناك شيء محدد من الموسيقا ... وقد هزت أول أسطوانة مصرية أسمعها كياني بأنغام القانون الذي سمعته لأول مرة بكلمات وصوت سلامة حجازي.
كانت تلك مرحلة بطولية تمكنت فيها هذه الألحان الجديدة من أن تعيد للموسيقا العربية في نفوسنا مكانتها، فتثأر لنا من موسيقا الجاز وسيطرتها. خاصة أن ظهور تلك الموسيقا في المدينة كان من آثاره أن أصبح شاب يهودي يأخذ في المدينة مكان الأب (كابولا Capolla) ، على كشك ساحة (كارنو Carnot) الموسيقي في حفلة ليلة الرابع عشر من تموز (يوليو).
¬__________
(¬1) نوع من الموشحات التقليدية الجزائرية ((ترجمة قنواتي)).