لقد ترك سيدي (حمدان) الجزائر وذهب إلى المدينة المنورة ورافقه في هجرته هذه الشيخ (محمد طاهر العنيزي) وقد كان فتياً آنذاك.
وهناك قام والد الفتى بتدريس الحديث تحت قبة مسجد الرسول ثم مات. أما ابنه الذي لم يستطع التكيف مع عادات تلك البلاد، فقد قفل راجعاً إلى الجزائر تصحبه والدته العجوز في الفترة التي نتحدث عنها الآن.
ولكنه هنا في قسنطينة لم يستطع الاندماج في العادات والتقاليد، فكان يفاجئ الناس بلباسه الغريب ومواقفه وتصرفاته.
وغدت هذه الشخصية الطريفة من زبائن مقهى (بن يمينة). فكان يتحدث بلهجة البدوي القادم من الجزيرة العربية. لقد كانت ثقافته عربية ويضع على رأسه بصورة دائمة الكوفية والعقال، ولذلك كله أضحى مقبولاً في وسطنا.
لقد كانت هذه الغرابة لا تأتلف مطلقاً مع تلك الخصائص التي تتوافر لتلك الشخصية الثائرة على بعض الانحرافات، والتي سميت فيما بعد (العالم الإصلاحي).
لقد كان ثائراً على كل شيء، ولم أره يوماً يمدح أحداً أو شيئاً من الأشياء، كان ينتقد الناس جميعاً والأشياء كلها. وكان ذلك نوعه، ولم يكن هذا النوع يثير مشكلة في مجتمع لم يتمكن بعد من تكوين عقيدة له خاصة، لذا فقد وضع كثيراً من القضايا موضع بحث وتدقيق، إنما هو لم يوفق في بعض الأحيان للوصول بنهاية تفكيره إلى نتائج اجتماعية حاسمة.
هكذا كان نسق ثورته، يضع قشاً على الجمرة المشتعلة في النفوس التي تلتقي في مقهى (بن يمينة)، وفصاحته العربية كانت تمارس تأثيرها في العقول التي تفكر أو تتكلم الفرنسية.