أما حكاياته ومغامراته- وهي في غالبها من نتاج مخيلته، إذ كنت في ذلك العصر أعرف حبه للخرافات- فقد كان يقصها علينا فتجد لدينا آذاناً صاغية.
بل كنا ندفع عنه ثمن القهوة لنسمعه يتحدث كما يتحدث. وفي زيارة لمكتبة (النجاح) وقد اعتدنا أن نتردد من آنٍ لآخر نتعرف على ما جدّ من نتاج الأدب العربي، تعرفنا على شخصية لا تقل غرابة وقد لعبت أيضاً بطريقة لا شعورية دوراً مؤلِّفاً لأفكارنا واندفاعها في اتجاه معين.
إنه (يونس البحري) وكان آنذاك شاباً بين العشرين والثلاثين. ولم نكن نعلم كيف وصل من بغداد وحل في مدينتنا ضيفاً على عمي إسماعيل وتعرفنا عليه.
لقد شرح لنا مدير مكتبة النجاح بطريقة غامضة حكاية ضيفه الذي وصل من مكان غير معروف عبر طنجة. وكان يظهر مرتدياً الجلابية المغربية، وقد أثار وجوده في قسنطينة انتباه المسؤولين عن الأمن والنظام. فاستشعروا (خطراً) وراء ذلك اللباس المغربي.
ولكن ذلك العصر لم يكن بعد العصر الذي بات فيه من الضروري مراقبة الأشخاص الذين تفوح منهم رائحة الخطر، فكان إذن على (يونس البحري) أن يكون له كفيل من أبناء البلد.
تقدم عمي إسماعيل من السلطات ليكون مسؤولاً عن (يونس البحري)، وهكذا أُخِذ إلى مطبعته ذلك الشخص (غير المرغوب فيه) فسنحت لنا فرصة التعرف عليه.
حين عرفناه لم يكن يرتدي الجلابية، بل كان قد تخلى عنها وتزيّا بالزي الحديث، الطربوش وربطة العنق والبنطال. وكان بناؤه الرياضي يعطيه مظهراً جميلاً بالإضافة إلى أنه يملك ناصية اللغة العربية. وقد جعلت له هذه