كتاب مذكرات شاهد للقرن

بمناسبة ختان عند العائلة الفلانية، وأسارع فوراً إلى اللحاق بالموكب كما كان يفعل جميع صغار الحي.
هذه الذكريات تبدو لي غريبة حتى في هذا الوقت بالذات، ومع الأيام بدأت تتحسن أوضاع عائلتي المادية؛ فوالدي حصل على وظيفة في المجمع المختلط لتبسة، وذلك بفضل ما تعلمه قديماً في المدرسة.
لقد أرسلوني إلى المدرسة الفرنسية، إلا أنني في الوقت نفسه ثابرت على التردد على مدرستي القديمة لتعلم القرآن، فكنت أقصدها كل يوم في الصباح الباكر لأكون فيما بعد عند الثامنة صباحاً في المدرسة الفرنسية. وكنت أجد في ذلك صعوبة كبيرة، أضف إلى هذا أن الفارق الذي كنت أحس به بين المدرستين والمعلمين، كان يجعلني لا أطيق هذا الوضع، فبدأت أتغيب عن مدرسة القرآن القديمة وسجادة الخلفاء، مما كان يعرضني لعقاب متواصل من أبي ومن معلم القرآن، وهذا زادني كرهاً بمدرسة القرآن، واسمترار هذا الوضع جعل حالي تسوء في المدرستين. وهكذا اقتنع والدي فانقطعت عن مدرسة القرآن القديمة لأنني لم أتعلم الكثير على الرغم من السنوات الأربع التي صرفتها فيها. فحتى ذلك الوقت لم أكن قد تجاوزت في قراءتي للقرآن سورة (سَبَّح).
وإن من ذكريات تلك الأيام ما لا يزال في مخيلتي، فقد كنت كباقي التلاميذ أغسل كل صباح لوحي الحجري في بركة ماء صغيرة، تقع عند زاوية المدرسة، ومتى تشبعت مياه البركة بذلك الحبر الذي كنا نكتب فيه وهو الصماغ - وكان المعلم يصنعه عادة بنفسه مستعملاً دهن الخرفان- كنا نعمد إلى نقل المياه الملوثة بدلوٍ لطرحها في مكان خاص. شربت ورفاقي مرة من هذه المياه الملوثة لاعتقادنا بأنها كانت تضم كلمة الله. لقد كان قصدنا من ذلك نبيلاً ومؤثراً، فما أردناه هو أن نشرب كلمة الله المقدسة بالذات.

الصفحة 24