كتاب مذكرات شاهد للقرن

في المدرسة الفرنسية الوحيدة في مدينتنا الصغيرة، أوجدوا صفاً رابعاً خصص للصغار من أبناء البلاد Petits indigènes وهو عبارة عن (مطهر) يقضي فيه الولد عدة سنوات، قبل أن يلحق بالصفوف العادية، عقب امتحان يقرر ما إذا كان على التلميذ أن يدخل الصف الثاني أو الثالث. لقد كان لي حظ الدخول في الصف الثالث.
وكان هذا في الواقع حظاً أتاح لي على ما أعتقد متابعة دراستي. فقد تمثل في شخصي معلمتي (مدام بيل) التي أحفظ لها حتى اليوم ذكرى حانية. ففي هذا الصف وجدتني لأول مرة مع أطفال أوربيين قد أتوا عن طريق القسم الخامس.
لقد كان لدى أهلي اهتمام بوضعي في مستوى الوسط الجديد، فزودت بأولى صدارة سوداء وأول محفظة كتب بغية الانسجام مع رفاقي الصغار.
لقد وضعني أول امتحان- وكان على ما أعتقد إملاء فرنسيا وبضعة أسئلة في اللغة- في مقدمة زملائي، وأعطاني الحق في أن أكتب ذلك اليوم التمارين على الصفحة الأولى لما يسمى دفتر الصف، الذي كان المعلم أو المعلمة يضعه بيدي الطالب كل صباح وفقاً لترتيبه.
ولكن الذي بقي في ذاكرتي هو الحب الصاعق الذي جذبني بقوة نحو (مدام بيل). ففي صباح أحد الأيام استيقظت وأنا أستشعر حباً جنونياً نحو معلمتي الجديدة كما لو كانت أمي بالذات، ولعل من السهل تفسير هذه الحادثة إذا ما لجأنا إلى نظريات فرويد. والغريب أن هذه السيدة قد استجابت لنزوة قلبي الصغير.
وعلى كل فقد بدأت دراستي بداية طيبة وتصرفاتي في الشارع بدأت شيئاً فشيئاً تتسم بطابع الهدوء والانتظام، وربما منذ تلك الفترة بالذات بدأت أكثر من التردّد على المسجد وخاصة أيام العطل. إذ كانت تلذ لي بصورة خاصة المشاركة في صلاة الجمعة، ففي هذه المناسبة فقط يسمح لي أن أرتدي قميصي الأبيض المزركش وبرنصي الصغير. وكنت قد حصلت على هذه الملابس الجميلة هدية من

الصفحة 25