كتاب مذكرات شاهد للقرن

كان مجمل ما يطلبه الزبائن في الخارج ثم يعود وهو يقرقع بأباريق القهوة، وهذه عادة قسنطينية، وكان يحسن ذلك ببراعة أثارت إعجابي إذ كنت طفلاً.
لقد كان (بوعربيط) وجهاً من وجوه قسنطينة القديمة. إنه وجه شعبي يسهم في ذكريات القسنطينيين الشيوخ، التي تتحدث عن تقاليد المدينة؛ ما هو حي منها وما اعتراه الأفول.
فحينما كان هؤلاء الشيوخ شباباً كانوا في أيام العيد الصغير والعيد الكبير ينظمون موكب (بوعربيط). ففي ذلك اليوم يلبس (بوعربيط) أجمل ما لديه من ملابس ويسير يتبعه موكب من الأطفال، فيعزف على الناي ألحاناً تتفق والمناسبة، بينما يصاحبه آخر في الضرب على الطبل، ثم يتجهون أمام منزل المفتي ثم منزل القاضي تحية منهم لهاتين الشخصيتين الكبيرتين في المدينة.
فذلك هو مفهوم التسلسل في رجال الدين صبيحة يوم العيد، وسط جو عابق برائحة الكعك والمكرود العائد من الفرق والقماش الجديد للأطفال والحنة في أيدي الفتيات.
وحينما يحين دور زواج واحد من هؤلاء الفتيان القسنطينيين، فإن (بوعربيط) يأتي هذه المرة بعد الشفق، ليقود إلا منزل الزوجية عروسه محمولة على كرسي مغطى بالديباج يدعى (الحدوة)، يرافقهما موكب من الأهل والأصدقاء يحملون مصابيح متعددة الألوان، تنشر في شوارع قسنطينة القديمة أنواراً باهتة.
وعندما وصلت إلى قسنطينة سنة 1920 لم يكن للحدوة من وجود فقد حلت محلها السيارة أو العربة المستعارة؛ إلا أنه في أيام العيدين الصغير والكبير لم يكن طلاب المدرسة يجدون (بوعربيط) أمام وجاقه في مقهى المدرسة، إذ كان يذهب في ذلك الوقت إلى منزل المفتي والقاضي يحيي عادة قديمة سرعان ما اندثرت بموته.

الصفحة 61