ما أظن مجلة (كونفيرانسيا Conferencia)، وفي أحد أعداد هذه المجلة اكتشفث في ذلك العصر (رابندرانت طاغور). لقد كان لذلك الأدب القادم من بعيد أثر في نفسي، إذ أضاف أبعاداً جديدة في عالمي الفكري. فرابليه وفيكتور هوجو وامرؤ القيس وحافظ إبراهيم هؤلاء أعطوا عالمي الفكري أبعاد اللغة الفرنسية والعربية، أما اكتشافي لطاغور فقد أضاف بعداً ثالثاً ذلك هو (الفيدا Des Védas).
وهناك شيء آخر؛ ففي ذلك العصر كان أبناء جيلي يبحثون دون أن يدركوا عن الهروب أو التحرر، وقد فتح لي طاغور باب ذلك الهروب فلم تعد أفكاري تسرح نحو تمبوكتو، فقد بدأت الرياح أيضاً تسوقها إلى الهند الغامضة.
كانت تشدني إليها على الرغم من أني لا أعرف عنها شيئاً غير أنها مستعمرة إنكليزية.
كان انجرافي نحو شاعرها الكبير مظهراً من مظاهر التحرر في نفسي. فالعبقرية لا تولد فقط على ضفاف (السين Seine) أو ضفاف (التاميز Tamise)، إنها يمكن أن تولد أيضاً على ضفاف (الغانج)، فمع طاغور وجدت هذا الموقف المدعوم لرجل مُستعمَر. لقد حررتني هن عبودية ذاتِ وقعٍ أثقلت أو ما تزال تثقل غالباً، فكر المثقفين العرب تجاه عبقرية أوروبا وثقافتها. لم أعد أذكر على وجه الدقة ما هو أول كتاب قرأته لطاغور، إنما هذا الشاعر حررني من إفريقيتي بعض الشيء وأطلق ذهني من قيود فرضها الاستعمار.
فقد كانت في روحي قوة منبّهة تقود كل ما يقع أمام بصري إلى اهتمام مركزي عميق. وكان الإسلام هو ذلك الاهتمام. فربما لم يكن لطاغور ذلك الشغف في نفسي لو لم يرتبط بذلك الألم المفترس، الألم الذي حمله جدي حين لجأ إلى طرابلس الغرب قبل الحرب العالمية الأولى، والذي حملته جدتي (الحاجة بايا) حينما تدلى بها الحبل من فوق السور هاربة من قسنطينة، يوم دخلها الجنود