التي أراد رئيسها أن يمنحها الشعوب عقب الحرب لتقرير مصيرها، إنما هي أحاديث حول الأفلام السينمائية وموسيقا الجاز والدولار والسائح الأميركي، الذي تمكن واحد من أبناء (بيسكرا) أن يبيعه مزماراً من القصب لا يساوي قرشين بخمسة أو ستة دولارات.
لم يكن فندق (سيرتا Cirta) في قسنطينة ليخلو من أولئك السواح الأميركيين، الذين كانوا يتجهون بعد ذلك إلى الواحات الجنوبية مع ما يحملون من رزمات الدولارات، وما يظهرونه من تصرفات مستغربة.
وإذا كانت أوربا في تلك الفترة تتوق لأن تحكم بإدارة أميركية فإن باعة الجنوب الجزائري تمنوا أن تصبح الجزائر مستعمرة أميركية، ليأخذوا من أبنائها ستة دولارات ثمناً للمزمار المصنوع من القصب.
في ذلك العصر كانت تشغلني بصورة خاصة مشكلة: إنها الأب (زويمر)، ذلك الأب الأنجليكاني الذي وضع في فكري قضية جديدة؛ إنها تنصير المسلمين.
لقد عولج هذا الموضوع في كتاب لم أعد أذكر عنوانه، إلا أنه كان متداولاً بين أيدينا يثير فينا مناقشات جادة.
كان الحديث شائعاً في محيطنا عن (لافيجاري Lavigerie) الكاردينال الفرنسي الذي عاش بين سنتي 1825 و 1892، وأسس أخويّة الآباء البيض، وعن الوسائل النافعة لتنصير أطفال (بيسكرا والقبائل).
غير أن هذه المشكلة بدت أمامي بوجهها الحقيقي مع الأب (زويمر)، فقد اتخذت حلبة الصراع في ذهني أبعاداً جديدة. فهذه المرة ثمة أبطال وحلبة أخرى. أما الحلبة فإفريقيا وآسيا والبطلان المتصارعان هنا الإسلام والمسيحية.
فلو قيل لي إن (مورينو) انتصر على الأمير خالد، لما ترك هذا المعنى في نفسي أثراً كالأثر الذي يتركه قولهم لي ((انهزم الإسلام)).