كافر؟)) إنه لم يكن يستطيع أن يفرق بين نظرته إلى العلم ونظرته إلى اللباس. فبالنسبة له كان واضحاً أن الثوب يصنع الراهب.
وحينما نجتاز بوابة (سيدي سعيد) ونحن في طريقنا إلى الكاتدرائية، أو نعبر بوابة قسنطينة إذا قررنا المسير إلى (وادي الناقوس)، فإن الليل في صيف تِبِسَّة ينشر سحره الفاتن أمام أبصارنا.
وكنا نحن بصورة عامة نختار الطريق الأول في نزهاتنا، فيبعدنا ذلك عن جمهور المتنزهين الذين يؤثرون الطريق الآخر؛ فهو لعله يغري الشبان بالمرور في الحي الأوربي، لرؤية الحسناوات الأوربيات بينما المتقدمون في السن تقودهم العادة إلى سلوكه.
وحين يكون القمر بدراً يطل علينا قرصُه الأحمر في طريقنا، فيبدو بارزاً بين (بورمان) الذي يحد الأفق في الجنوب والدير الذي يحده من الشرق.
وكنا نرى أشعته الأولى تسقط على مقام الوالي المرابطي سيدي (محمد بن شريف) الناصع البياض فيحدث انعكاسات باهتة. وهذا المقام يعلو قليلاً (عين مغوطة)، وهناك في أيام السوق كان الذين يقصدون تبسة لبيع غنمهم يتوقفون قليلاً عند هذه العين يسقون منها أو يتوضؤون بمائها.
كانت الأشياء تبدو سامجة في عتمة خفيفة فتحيي صورتها ذكريات قديمة مشتركة، حينما كنا نسطو على تلك الحدائق التي بدت الآن مهملة، فشاد فيها الناس بعد ذلك بناءً وغدت اليوم حياً يعرف بحي الكاتدرائية.
وفي الكاتدرائية هناك كان يستخفنا اللعب، فنسرع إلى اللهو بين حجارتها الكبيرة لنقبض على الجرذان الخضر التي تختبئ عادة فيها، فيعرضنا ذلك أحياناً لعقص الدبابير التي كانت تكثر فيها.