كتاب موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ت حسين أسد (اسم الجزء: 3)

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: أنَّ يَهُودِياً قَدِمَ زَمَنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِثَلاثِينَ حِمْلاً شَعِيراً وَتَمْراً، فَسَعَّرَ مُدَّاً بِمُدِّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِدِرْهَم، وَلَيْسَ فِي النَّاسِ يَوْمَئِذٍ طَعَامٌ غيْرَهُ، وَكَانَ قَدْ أَصَابَ النَّاسَ قَبْلَ ذلِكَ جُوعٌ لا يَجِدُونَ فِيهِ طَعَاماً، فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسُ يَشْكُونَ إِلَيْهِ غَلاءَ السِّعْر، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِد الله، وَأثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: "لألْقَيَنَّ اللهَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُعْطِيَ أحَداً مِنْ مَالِ أحَدٍ مِنْ غير طِيب نَفْسٍ، إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ، وَلكِنَّ فِي بُيُوعِكُمْ خِصَالا أذْكُرُهَا لَكُمْ: لا تَضَاغَنُوا (¬1)، وَلا تَنَاجَشُوا (¬2)، وَلا تَحَاسَدُوا (¬3)، وَلا يَسُومُ (¬4) الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أخِيهِ، وَلا يَبِيعَنَّ حَاضِر
¬__________
(¬1) لا تضاغنوا: لا تنطووا على الحقد والعداوة. قال ابن فارس في "مقاييس اللغة" 3/ 364: "الضاد والغين والنون أصل صحيح يدل على تغطية شيء في ميل واعوجاج، ولا يدل على خير، من ذلك الضِّغْنُ، والضَّغَنُ: الحقد ... ".
(¬2) لا تناجشوا: هو تفاعل من النجش، قال ابن فارس في "مقاييس اللغة" 5/ 394: "النون والجيم والشين أصل صحيح يدل على إثارة شيء، منه النَّجْشُ: أن تزايد في المبيع بثمن كثير لينظر إليك الناظر فيقع فيه، وهو الذي جاء في الحديث (لا تناجشوا) كأن الناجش استثار تلك الزيادة، والناجش الذي يثير الصيد ... ".
وقال القاضي عياض في "مشارق الأنوار" 2/ 5 شارحاً معنى النجش: "قيل: هو مدح السلعة والزيادة في ثمنها وهو لا يريد شراءها بل ليغري غيره فنهي عن فعل ذلك والبيع به وأكل ثمنه والجعل عليه وقيل: النجش: التنفير، وقيل: المدح والإطراء فيمدح سلعته لينفر عن غيرها، والأول في البيع أشهر".
(¬3) هو تفاعل من الحسد. والحسد أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه. بينما الغَبْطُ: أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنى زوالها عنه".
(¬4) هكذا جاءت، وحقها الجزم بعد لا الناهية، وحجة مجيئها على هذه الصورة أن من العرب من يجري المعتل مجرى الصحبح، أو أنها مجزومة (لا يَسُمْ) ولكن ضمة السين قد أشبعت، كقراءة ابن كثير {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ ... } [يوسف: 90].
وقال النووي في "شرح مسلم" 3/ 564 في شرحه الحديث (1408) باب: =

الصفحة 438