كتاب موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ت حسين أسد (اسم الجزء: 4)

رَسُولَ الله إنِّي حُبِّبَ إليَّ الْجَمَالُ، فَمَا أُحِبُّ أَنْ يَفُوقَني (¬1) فِيهِ أَحَدٌ بِشِرَاكٍ، أَفَمِنَ الْكِبْرِ هُوَ؟ قَالَ: "لا، إنَّمَا الْكِبْرُ مَنْ سَفِهَ (¬2) الْحَقَّ وَغَمِصَ (¬3) النَّاسَ" (¬4).
¬__________
(¬1) يقال: فقت فلاناً، أفوقه، أي: صرت خيراً منه وأعلى وأشرف، كأنك صرت فوقه في المرتبة. ومنه الشيء الفائق، وهو الجيد الخالص في نوعه، قال الشاعر:
فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلا حَابسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَع
وقال ابن فارس في مقاييس اللغة" 4/ 461: "الفاء، والواو، والقاف أصَلان صحيحان، يدل أحدهما على عُلُوّ، والآخر على أوبة ورجوع.
فالأول: الفوق، وهو العلو، ويقال: فلان فاق أصحابه، يفوقهم، إذا علاهم، وأمر فائق، أي: مرتفع، عال.
وأما الآخر ففواق الناقة، وهو رجوع اللبن في ضرعها بعد الحلب، تقول ما أقام عندي إلا فواق ناقة ... ".
(¬2) السفه ضد الحلم، وأصله الخفة والسخافة- مقاييس اللغة 3/ 79 - ، وسَفَّهه: نسبه
إلى السفه.
فائدة: قولهم: سَفِهَ نفسه، وغَبِنَ رأْيَهُ، وبَطِرَ عيشَهُ، وأَلِمَ بَطْنَهُ، وَوَفِقَ أَمْرَهُ، وَرَشِدَ أَمْرَهُ، كان في الأصل: سَفِهَتْ نفسُ زيد، ورَشِدَ أمرُهُ، فلما حُوِّل الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بوقوع الفعل عليه لأنه صار في معنى (سَفَّهَ نَفْسَهُ) بالتشديد. وهذا قول البصريين، والكسائي.
ولكن الفراء قال: "لما حول الفعل من النفس إلى صاحبها خرج ما بعده مفسراً ليدل على أن السفه فيه، وكان حكمه أن يكون (سَفِهَ زيدٌ نفساً)، لأن المفَسِّرَ لا يكون إلا نكرة، ولكنه ترك على إضافته ونصب كنصب النكرة تشبيهاً بها، ومثله قولهم: ضقت به ذرعاً، وطبت به نفساً، والمعنى: ضاق ذرعي به، وطابت نفسي به"، وانظر" إعراب القرآن" للنحاس 3/ 5 الآية (واشتعل الرأس شيباً) -، وتفسير الطبري 16/ 46، وكشاف الزمخشري 2/ 502.
(¬3) وهكذا هي عند الحاكم، وأما في الإحسان، وعند أبي داود فهي "غمط". وَغَمَصَ الشيء: استصغره واحتقره، وكذلك غمط. وانظر مقاييس اللغة 4/ 395، 396.
(¬4) إسناده صحيح، وهشام هو الدستوائي، ومحمد هو ابن سيرين، والحديث في =

الصفحة 430