كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)
الذين يَدَّعُونَ النبوةَ - كمسيلمةَ والأسودِ العنسيِّ - لا أحدَ أظلمُ منهم، حيث قالوا: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إليهم - ولم يُوحَ إليهم - ظُلْمًا وَعُدْوَانًا. وهذا معنَى قولِه: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ} والحالُ: {وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ}.
{وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ} (من) في قولِه: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ} هذا كُلُّهُ معطوفٌ على المجرورِ في قولِه: {مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} ولا أحدَ أظلمُ مِمَّنْ قال: أُوحِيَ إِلَيَّ [وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ] (¬١)، ولا أحدَ أظلمُ مِمَّنْ قَالَ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ.
وقولُه: {سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ} هذه نَزَلَتْ في عبدِ اللَّهِ بنِ سعدِ بنِ سَرْحٍ، على قولِ أكثرِ المفسرين (¬٢). أسلمَ أَوَّلاً، وكانَ مِنْ كُتَّابِ الْوَحْيِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سورةِ (قد أفلح المؤمنون): {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: الآيات ١٢ - ١٤] عَجِبَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سعدِ بنِ أَبِي سرحٍ من تفصيلِ اللَّهِ هذا لخلقِ الإنسانِ فقال: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أحسنُ الخالقين» فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» فَشَكَّ فِي كلامِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: إِنِّي أُوحِيَ إِلَيَّ مثلَ ما أُوحِيَ إليه، إن كان صادقًا فقد أُوحِيَ إلي مثلَ ما أُوحِيَ إليه، وإن كان كَاذِبًا فقد جئتُ بمثلِ ما جاءَ به. وَارْتَدَّ عن الإسلامِ - والعياذُ بالله (¬٣)
- وهو مِمَّنْ أَمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقتلِهم يومَ فتحِ مكةَ،
---------------
(¬١) مابين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.
(¬٢) انظر: المستدرك (٣/ ٤٥)، ابن جرير (١١/ ٥٣٣ - ٥٣٤)، أسباب النزول للواحدي ٢٢٠، لباب النقول ١١٩، الدر المنثور ٣/ ٣٠.
(¬٣) هذا الخبر بهذا التفصيل لم أقف عليه بسند صحيح. وإنما ورد في بعض الروايات الضعيفة، وعامتها من المراسيل. فالله تعالى أعلم. قال ابن عاشور معقبا على القول بأنها نزلت في عبد الله بن أبي السرح: «وهذا أيضا مما لا ينثلج له الصدر؛ لأن عبد الله بن أبي السرح ارتد بعد الهجرة ولحق بمكة، وهذه السورة مكية» اهـ التحرير والتنوير (٧/ ٣٧٥) ..