كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

كَأَنَّ رَحْلِي وقَدْ زَالَ النَّهارُ بِنَا بِذِي الْجَلِيلِ عَلَى مُسْتَأْنَسٍ وَحَدِ
مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مَوْشِيٌّ أَكَارِعُهُ طَاوِي الْمُصَيْرِ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الْفَرَدِ
وَيُرْوَى: الفَرِدِ (¬١)، وَالْفَرَدُ: هو الوحيدُ الذي لا شيءَ مَعَهُ، {جِئْتُمُونَا فُرَادَى} كُلُّ وَاحِدٍ منكم فَرْدًا بمفردِه، ليس مَعَهُ مالٌ، ولا ولدٌ، ولَا حشمٌ، ولَا خَدَمٌ، حتى إنه حَافٍ عَارٍ لَيْسَ بِمَخْتُونٍ (¬٢). وهذا معنَى: {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.
وفي إعرابِ (الكافِ) من (كَمَا خَلَقْنَا) وجهانِ مِنَ الإِعْرَابِ (¬٣):
أحدُهما: أنه في مَحَلِّ نصبٍ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ. والمعنَى: جِئْتُمُونَا مجيئًا مُشَابِهًا لِخَلْقِنَا لكم أَوَّلاً في التجردِ عن المالِ والأعوانِ والحشمِ والخدمِ.
الثاني: أنه في مَحَلِّ الحالِ. أي: جِئْتُمُونَا فُرَادَى في حالِ كونِكم مُشَابِهِينَ حالتَكم الأُولَى التي وُلِدْتُمْ عليها؛ لأَنَّ الواحدَ منكم يخرجُ من بطنِ أُمِّهِ فَرْدًا لَا مالَ له، ولا ولدَ، ولا حشمَ ولا خدمَ. وهذا معنَى: {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.
{وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} العربُ تقولُ: «خَوَّلَهُ» إذا أَعْطَاهُ وَأَنْعَمَ عليه، {مَّا خَوَّلْنَاكُمْ}: أَيْ: ما أَعْطَيْنَاكُمْ، وَأَنْعَمْنَا عليكم بِهِ مِنَ المالِ والخَوَلِ والخدمِ تَرَكْتُمُوهُ وراءَكم، أي: خَلْفَكُمْ، حيث مُتُّمْ عنه ولم يَأْتِ مَعَكُمْ.
---------------
(¬١) انظر: ابن جرير (١١/ ٥٤٣ - ٥٤٤)، المفردات (مادة: فرد) ٦٢٩، القرطبي (٧/ ٤٢)، الدر المصون (٥/ ٤٤ - ٤٥).
(¬٢) انظر: ابن جرير (١١/ ٥٤٣)، البحر المحيط (٤/ ١٨٢)، القرطبي (٧/ ٤٢ - ٤٣)، الأضواء (٢/ ٢٠٤).
(¬٣) انظر: البحر المحيط (٤/ ١٨٢)، الدر المصون (٥/ ٤٥).

الصفحة 526