كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بطنِها في القبورِ وأنتم أمواتٌ، كما قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (٢٦)} [المرسلات: الآيتان ٢٥، ٢٦]، الكِفَاتُ هنا: مَحَلُّ الكَفْتِ. والكَفْتُ في اللغةِ: معناه الضَّمُّ (¬١). أي: محلاًّ يضمُهم أحياء على ظَهْرِهَا، ويضمُهم أمواتًا في بطنِها. وهذا معنَى قولِه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (٢٦)} وَلِذَا قال: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} ثُمَّ قَالَ: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ} التفصيلُ: البيانُ والإيضاحُ وإزالةُ الإجمالِ. والمرادُ بالآياتِ: آياتُ هذا القرآنِ العظيمِ مع ما تَضَمَّنَتْهُ من آياتِه الكونيةِ (جل وعلا)، الدالةِ على كمالِ قُدْرَتِهِ.
وفي هذه الآيةِ سؤالٌ معروفٌ، وهو أن يقولَ طالبُ العلمِ: قال في الآيةِ الأُولَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ثم قال: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧)} [الأنعام: آية ٩٧]، وهنا قال: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨)} [الأنعام: آية ٩٨]، فما الحكمةُ في تلوينِ الكلامِ، والتعبيرِ في الأولِ بـ (قوم يعلمون) وفي الثاني بـ (قوم يفقهون) (¬٢)؟
قال بعضُ العلماءِ: إنما قال بعدَ ذِكْرِهِ الاهتداءَ بالنجومِ: {قَوْمٍ يَعْلَمُونَ} لأَنَّ ذلك أمرٌ يَعْلَمُهُ جُلُّ الناسِ. وقال هنا: {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} لأَنَّ أسرارَ نقلِ الإنسانِ من هذه الأطوارِ وإيجادِه الأولِ لَا يُدْرِكُ حقائقَها وما انْطَوَتْ عليها من الغرائبِ والعجائبِ إلا الذين يفقهونَ. أي: لهم فِقْهٌ وَفَهْمٌ دقيقٌ في الأمورِ.
---------------
(¬١) انظر المفردات: (مادة: كفت) ٧١٣.
(¬٢) في الإجابة على هذا السؤال انظر: درة التنزيل وغرة التأويل ص٦٨، البرهان في توجيه متشابه القرآن للكرماني ص ٦٥، مِلَاك التأويل (١/ ٤٦٢)، البحر المحيط (٤/ ١٨٨) الدر المصون (٥/ ٦٧).

الصفحة 13