كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

منافعَ النخلِ الكثيرةِ؛ لأن النخلَ كُلَّهَا منافعُ؛ لأن خُوصَهَا تُصْنَعُ منه القفاصُ، وجريدَها تُصْنَعُ منه الحُصر، وتصنعُ منها الحبالُ، ولبَّها يؤكلُ، وجذعَها يُسقف به، وكُرْنَافَها يوقدُ به، فجميعُ ما فيها منافعُ.
أما شجرةُ العنبِ: فليس في نفسِ الشجرةِ من المنافعِ ما في النخلةِ (¬١)، فأعظمُ منافعِها في ثَمْرَتِهَا.
وقولُه: {وَمِنَ النَّخْلِ} النخلُ: جمعُ نخلةٍ. وقيل: هو جنسٌ أو اسمُ جَمْعٍ (¬٢). وهو يُذَكَّرُ ويُؤنثُ؛ لأَنَّ اللَّهَ ذَكََّرَهُ في قولِه: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنْقَعِرٍ (٢٠)} [القمر: آية ٢٠]، ولم يَقُلْ: منقعرةٍ. وَأَنَّثَهُ في قولِه: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧)} [الحاقة: آية ٧]، وهذا معروفٌ في كلامِ العربِ، أَنَّ أسماءَ الأجناسِ تُذَكَّرُ وتُؤنَّثُ.
قال بعضُ العلماءِ: فإن قيلَ له: (نخيلٌ) لَمْ يَجُزْ تَأْنِيثُهُ.
وقولُه: {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا} يُطْلَقُ (الطلعُ) على أولِ ما يخرجُ من النخلةِ؛ لأنه يخرجُ أَوَّلاً قبلَ أن يَنْفَتِحَ يسمى (كِمًّا)، ثم ينفتحُ على النَّوْرِ المسمَّى بـ (الإغْرِيض). وهذا هو المرادُ بقولِه: {مِنْ طَلْعِهَا}. وَرُبَّمَا يُطْلَقُ الطلعُ على ثَانِي الحالِ؛ لأنه يكونُ أَوَّلاً طَلْعًا
---------------
(¬١) قال ابن القيم: «وعموم المنفعة به وبالعنب فوق كل الثمار. وقد اختلف الناس في أيهما أنفع وأفضل، وصنف الجاحظ في المحاكمة بينهما مجلدًا فأطال فيها الحِجَاج والتفضيل من الجانبين. وفَصلُ النزاع في ذلك: أن النخل في معدنه ومحل سلطانه أفضل من العنب وأعم نفعًا، وأجدى على أهله، كالمدينة والحجاز والعراق. والعنب في معدنه ومحل سلطانه أفضل، وأعم نفعًا، وأجدى على أهله كالشام والجبال والمواضع البادرة التي لا تقبل النخل» ا. هـ. مفتاح دار السعادة (١/ ٢٣٠).
(¬٢) انظر الكليات ٩١٢.

الصفحة 24