كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦)} [التوبة: آية ٤٦]، وخروجُهم هذا الذي ثَبَّطَهُمْ عنه، وَسَبَقَ في علمِه أنه لا يكونُ، هو عَالِمٌ أَنْ لو كان كيفَ يكونُ، كما صَرَّحَ به في قولِه: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَاّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} الآية [التوبة: آية ٤٧].
وكقولِه: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥)} [المؤمنون: آية ٧٥] إلى غيرِ ذلك من الآياتِ. ولذا قال هنا: {وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: آية ١٠١] فَمَنْ أحاطَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شيءٍ فكيفَ يكونُ جنسًا له - كالولدِ - من لَا يعلمُ شيئًا إلا ما عَلَّمَهُ اللَّهُ؟ يعني: فالذي تَدَّعُونَ من الأولادِ لله لا يعلمونَ شيئًا إلا ما عَلَّمَهُمُ اللَّهُ، فكيفَ يكونونَ كالجزءِ والجنسِ لِمَنْ لَا يَخْفَى عليه شَيْءٌ؟
وقد قَدَّمْنَا مِرَارًا (¬١): أن العلمَ المحيطَ لِلَّهِ وحدَه، وأن المخلوقين يعلمونَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ ما عَلَّمَهُمُ اللَّهُ فقط، وَبَيَّنَّا أمثلةً كثيرةً لذلك، منها:
أن أَعْلَمَ الخلائقِ - الملائكةُ والرسلُ - الملائكةُ قد قَدَّمْنَا في سورةِ البقرةِ أن اللَّهَ لَمَّا قال لهم: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَاّ مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: الآيتان ٣١، ٣٢]، فقولُه: {لَا عِلْمَ لَنَا} النكرةُ إذا بُنِيَتْ على الفتحِ مع (لا) فـ (لا) التي مَعَهَا هي (لا) التي لِنَفْيِ الجنسِ (¬٢). والمعنَى: أنهم نَفَوْا جنسَ العلمِ من أصلِه عن أنفسِهم، إلا شيئًا عَلَّمَهُمُ اللَّهُ إياه.
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (٥٩) من هذه السورة.
(¬٢) انظر: ضياء السالك (١/ ٣٥١).

الصفحة 38