كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)
فرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه: آية ٤٤] أي: على رجائكما أنه يتذكر، والله يعلم أنه لا يذكر ولا يخشى.
القول الثاني: هو ما قالته جماعة من علماء التفسير: أن كل (لعل) في جميع القرآن معناها التعليل إلا التي في الشعراء: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: آية ١٢٩] زعموا أنها بمعنى: (كأنكم).
والتحقيق: أن (لعل) تكون حرف تعليل، هذا لا شك فيه، وعليه فالمعنى: وَصَّاكُمْ به لأجل أن تعقلوا هذه الوصية عنه، فتمتثلوا أمره، وقال تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)} [النحل: آية ٧٨] أي: جعل لكم هذه الأسباب والنعم لأجل أن تشكروه، ومن إتيان (لعل) في كلام العرب بمعنى التعليل قول الشاعر (¬١):
فَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الحُروبَ لَعَلَّنَا ... نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِق
فَلَمَّا كَفَفْنَا الحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُكْمِ ... كَشِبْهِ سَرَابٍ بِالمَلَا مُتَأَلِّق
فقوله: (كفوا الحروب لعلنا نكف) أي: كفُّوا عنّا لأجل أن نكف عنكم. هذا معروف في كلام العرب.
وقوله: {تَعْقِلُونَ} معناه: تدركون بعقولكم؛ لأن العقل هو الذي فيه الإدراك، والعقل: نور روحاني تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية، وقد ذكرنا فيما مضى أن مركزه القلب لا الدماغ (¬٢)، كما صرح به الله، وصرح به نبيُّه - صلى الله عليه وسلم -، ولا شك أن مَنْ
---------------
(¬١) السابق.
(¬٢) مضى عند تفسير الآية (٧٥) من سورة البقرة.