كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بـ {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، وأجابوا عن ذلك بأجوبة -الله أعلم بها- (¬١) منها: أن قالوا: إن المذكورات في الآية الأولى واضحة لا خفاء فيها؛ لأنها هي عدم الإشراك بالله، وعدم قتل الأولاد، والبر بالوالدين، وعدم قتل النفس التي حَرَّمَ الله إلا بالحق، وهذه أمور ظاهرة؛ ولذا قال لما كانت ظاهرة لا تحتاج إلى تفكر وتذكّر؛ لظهورها ووضوحها، قال: قلت لكم هذا لتُدْرِكُوهُ عنّي بِعُقُولِكُمْ؛ لأنه أمر واضح، وأن المذكورات في الآية الأخيرة تحتاج إلى تأمُّلٍ وإلى تفكّر، كإيفاء الكيل والميزان، وعدم بخس الناس أشياءهم، وكالتحرِّي في الأقوال لِيُعْلَمَ العدْل منها مِنْ غَيْرِ العدل، والوفاء بالعهود أن هذه أمور فيها خفاء، فعبّر بعدها بالتذكر؛ لأنها تحتاج إلى تذكر، هكذا يقولون، والله تعالى أعلم.
يقول الله جل وعلا: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥)} [الأنعام: آية ١٥٥] ذكرنا أنه جرت العادة أن الله ينوّه بالتوراة والقرآن معاً؛ [٢٣/أ] لأنهما أعظم الكتب المنَزَّلة؛ لأنه قبل/ نزول القرآن كانت التوراة أعظم الكتب المنزلة وأجمعها للأحكام، كما قال الله فيه: {وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْء} [الأنعام: آية ١٥٤]، فلما نزل القرآن كان أشمل كتاب وأعظمه؛ لأنه جمع الله فيه علوم الأولين والآخرين، وزاد فيه أشياء لم تنزل على غيره؛ ولذا لما نزلت التوراة في قوله: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ} [الأنعام: آية ١٥٤] نوّه
---------------
(¬١) انظر: ملاك التأويل (١/ ٤٨٠)، درة التنزيل وغرة التأويل ص٧٤، البرهان في توجيه متشابه القرآن للكرماني ص٦٩، فتح الرحمن بكشف ما يلْتبس في القرآن ص١٨١ - ١٨٢، البحر المحيط (٤/ ٢٥٣)، الدر المصون (٥/ ٢٢٢)، فتح المجيد ص (٤١).

الصفحة 524