كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: آية ٢٢٨]، في قولِه جل وعلا: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: آية ٤]، فالمطلقةُ الحاملُ تُخَصَّصُ من القروءِ بوضعِ الحملِ، وكما خَصَّصَ منه المطلقةَ قبل الدخولِ بقولِه: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: آية ٤٩] ومعلومٌ أَنَّ تخصيصَ الكتابِ بالسنةِ كثيرةٌ؛ وَلِذَا خُصِّصَ قولُه تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: آية ٢٤] بقولِه: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا ... » الحديثَ (¬١). وخُصِّصَ قولُه: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: آية ١١] بأولادِ الأنبياءِ فلَا يَرِثُونَ، والولدِ الكافرِ فَلَا يَرِثُ، والولدِ الرقيقِ فلَا يَرِثُ. كُلُّ ذلك بالسُّنَّةِ، وهذا معروفٌ (¬٢).
فمعنَى: {لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: آية ١٠٣] أو: لا تُحِيطُ بِهِ الأبصارُ، أو: لا تدركُه الأبصارُ في الدنيا، ولكنها تَرَاهُ فِي الآخرةِ.
واختارَ غيرُ واحدٍ: أن الإدراكَ هنا المنفيَّ معناه: الإحاطةُ. أي: لَا تُحِيطُ به الأبصارُ، ولا يُنَافِي أنها تَرَاهُ، ولكن لا تُحِيطُ به؛ لأنه لا يُحِيطُ به شيءٌ، وهو محيطٌ بِكُلِّ شيءٍ، وفي الحديثِ: «لَا
---------------
(¬١) أخرجه البخاري في النكاح، باب: لا تنكح المرأة على عمتها، حديث (٥١٠٩، ٥١١٠)، (٩/ ١٦٠)، ومسلم، كتاب النكاح، باب: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح. حديث: (١٤٠٨)، (٢/ ١٠٢٨) من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه).
وقد أخرجه البخاري أيضًا في النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، حديث (٥١٠٨)، (٩/ ١٦٠) من حديث جابر (رضي الله عنه).
(¬٢) انظر هذه الموانع وأدلتها في العذب الفائض (١/ ٢٣ - ٤١).