كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
عُوجِي عَلَيْنَا رَبَّةَ الهَوْدَجِ ... إِنَّكِ إِلَاّ تَفْعَلِي تُحْرَجِي
يرويه كثير ممن رواه: (إنك إلَاّ تفعلي تَحْرجي) أي: تقعي في الحرج الذي هو الإثم والضيق بالذنوب، والأظهر أن أصله (تُحْرِجِي) أي: توقعي صاحبك في حرج وضيق، حيث هجرتِهِ، هذا أصل الحرج في لغة العرب. وعليه فالآية كقوله: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُك أَن يَقُولُواْ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ} [هود: آية ١٢] وكقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦)} [الكهف: آية ٦] وروي هنا عن جماعة من كبار المفسرين أن الحرج في هذه الآية: الشك (¬١) أي: فلا يكن في صدرك شك منه أنه مُنَزَّلٌ من الله (جل وعلا). وعلى هذا فالآية كقوله: {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: آية ١٤٧] أي: من الشاكين، وقوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} [يونس: آية ٩٤]. وتفسير الحرج في آية الأعراف بالشك في هذا الموضع قال به جماعة من أجلاء المفسرين. وعلماء العربية يقولون: إنه -مع أنه رُوي عن بعض أجلاء أهل التفسير أنه- سائغ في اللغة العربية؛ لأن الشاك قلق صدره ضَيِّق لا يميل إلى طرف الإثبات ولا إلى طرف النفي، وِمما يؤيد هذا: أن الريب في جميع القرآن معناه: الشك. كقوله: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: آية ٢] أي: لا شك فيه. مع أن أصل الريب في لغة العرب: مصدر رابه، يريبه، ريباً إذا أزعجه وأقلقه. وفي حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم رأى ظبياً حاقفاً (¬٢)
---------------
(¬١) انظر: ابن جرير (١٢/ ١٠٣ - ١٠٧)، (٢٩٥ - ٢٩٦)، الأضواء (٢/ ٢٨٥ - ٢٨٦).
(¬٢) أي: نائماً قد انحنى في نومه.
الصفحة 15
631