كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

فقال: «لَا يَرِيبُهُ أَحَدٌ» (¬١) يعني: لا تزعجوه، ولا تُقْلِقُوه، ولا تنفروه؛ لأنَّكم مُحْرِمُون لا يجوز لكم إزعاج الصيد. ومن هذا المعنى قول توبة بن الحُمَيِّر (¬٢):
وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى تَبرقَعَت ... فقد رابني منها الغَدَاة سفُورُها

رابني: يعني أزعجني وأقلقني؛ لأن أهلها كانوا شَكَوه إلى الوالي فأهدر دَمَهُ إنْ زارها، وكان إذا جاءها لبست برقعها عنه، فأنذروها وأنها إن أعلمته فعلوا بها وفعلوا، فلما زارها سفرت وكشفت عن وجهها، فشرد توبة بن الحُميِّر هارباً وقال:
وكنتُ إذا ما جئت ليلى تَبرقَعَت ... فقد رابني منها الغَدَاة سفُورُها

فعلم أنها ما كشفت عن وجهها إلا لأن النار تحت الرماد. والشاهد أن قوله: (فقد رابني منها) أزعجني وأقلقني، وأن الريب أصله الإزعاج والإقلاق، وهو في القرآن يطلق على الشك؛ لأن نفس الشاك غير مطمئِنَّة، بل هي قلقة مضطربة لا تدري أتميل إلى طرف النفي أو إلى طرف الثبوت. وهذا معنى قوله: {فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَج مِّنْهُ}.
وقوله: {لِتُنذِرَ بِهِ} التحقيق أنها لام كي المعروفة بلام التعليل، والفعل منصوب بأن مضمرة بعدها، وهي تتعلق بقوله: {أُنزِلَ} (¬٣) يعني: أُنزل إليك هذا الكتاب لأي حكمة أُنزل إليك؟
---------------
(¬١) أخرجه مالك في الموطأ ص٢٤١، حديث رقم (٧٨٥)، والنسائي في الحج، باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد. حديث رقم (٢٨١٨)، (٥/ ١٨٢ - ١٨٣) وانظر: صحيح النسائي (٢/ ٥٩٤).
(¬٢) البيت في اللسان (مادة: برقع) (١/ ٢٠٠).
(¬٣) انظر: الدر المصون (٥/ ٢٤٢).

الصفحة 16