كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
{لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلمُؤْمِنِين (٢)}.
وقوله: {لِتُنذِرَ} أصله مضارع أنذره ينذره إنذاراً، والإنذار في لغة العرب التي نزل بها القرآن هو خصوص الإعلام المقترن بتهديد خاصة وتخويف، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذاراً؛ لأن الإنذار: الإعلام المقترن بتخويف وتهديد خاصة (¬١). وأصل ماضي هذا الفعل: (أنذر) بالهمزة، وكان لو جرى على الأصل لقيل: «لِتُؤَنْذِرَ به» لكن (¬٢) القاعدة المقررة في فن التصريف أن كل فعل بُني ماضيه على (أَفْعَل) أن همزة (أَفْعَل) تحذف وجوباً بقياس مطرد في مضارعه، واسم فاعله، واسم مفعوله. ومفعول الإنذار هنا محذوف، وقد دل عليه التفصيل؛ أي: لتنذر به الكفار المتمرِّدين العاتين، وتذكر به المؤمنين (¬٣). فالقرآن إنذار لقوم تمرّدوا وعتوا، وتذكرة وبشرى لقوم آخرين كقوله: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً (٩٧)} [مريم: آية ٩٧] والمعنى: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتخوف به الخلق الذين كذّبوه ولم يتبعوه.
وفي هذه الآية الكريمة وأمثالها من الآيات زواجر عظيمة ينبغي لنا أن نعتبرها؛ لأن خالقنا (جل وعلا) بَيَّن لنا في أول هذه السورة الكريمة -سورة الأعراف من هذا المحكم المنزل الذي هو آخر كتاب نزل من السماء على آخر نبي بعثه الله في أرضه (صلوات الله وسلامه عليه) - قال: إنه أنزل عليه هذا الكتاب ليخوف به الخلق من عقوبات خالق السماوات والأرض وسخطه، فإنه الجبار الأعظم الذي
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (١٣٠) من سورة الأنعام.
(¬٢) مضى عند تفسير الآية (٧٦ - ٧٧) من سورة البقرة.
(¬٣) انظر: أضواء البيان (٢/ ٢٨٦).
الصفحة 17
631