كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

إذا سخط عاقب العقوبة المهلكة المستأصلة. فبهذا يجب علينا أن نتأمل في معاني القرآن، ونعرف أوامر ربنا التي أمرنا بها فيه، ونواهيه التي نهانا عنها، ونخاف من هذا الإنذار والتهديد الذي أُنزل هذا القرآن على الرسول ليفعله بمن لم يعمل بهذا القرآن العظيم. فالإنسان يجب عليه أن يتدبّر هذا القرآن العظيم، وينظر أوامره، وينظر نواهيه، ويعمل بما فيه من الحلال والحرام، فالحلال ما أحله الله في هذا القرآن وبينته السنة الكريمة، والدين ما شرعه الله؛ لأنه لا حكم إلا لله، فكل الأحكام هي لله، والتشريع لله، والتحليل والتحريم لله، وقد أنزل علينا هذا الكتاب ليخوفنا إذا لم نعمل بما فيه من العبر والآيات، فَنُحل حلاله، ونُحرِّم حَرَامَه، ونعتقد عقائده، ونعمل بمحْكَمه، ونؤمن بمتشابهه، ونعتبر بما فيه من الأمثال، وتلين قلوبنا لما فيه من المواعظ وضروب الأمثال. فهذا الإنذار لا ينبغي للمسلم أن يهمله ويعرض عنه صفحاً.
وقوله: {وَذِكْرَى لِلمُؤْمِنِينَ (٢)} الذكرى هنا مصدر مؤنَّث تأنيثاً لفظيّاً بألف التأنيث المقصورة، وأصله بمعنى: التذكير، أي: لأجل الإنذار لمن عَتَى وتمرد، وللتذكير للمؤمنين العاملين به. والذكرى: هي الاتِّعَاظ؛ لأن المؤمنين يذكرهم فتنفعهم الذكرى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)} [الذاريات: آية ٥٥].
وقوله: {وَذِكْرَى} في محل إعرابه ثلاثة أوجه معروفة (¬١): أظهرها: أنه في محل خفض معطوف على {لِيُندرَ بِهِ} أي: للإنذار وللتذكير، ويجوز أن يكون منصوباً عطفاً على محل {لِيُندرَ بِهِ} لأنه
---------------
(¬١) انظر: الدر المصون (٥/ ٢٤٤).

الصفحة 18