كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
وإن جُرَّ فهو في معنى مفعول لأجله، ويجوز أن يكون مبتدأ، ويكون -أي: يجوز- معطوفاً على قوله: {كِتَابٌ} كتاب أنزلناه إليك، وذكرى للمؤمنين أنزلناها إليك. والأول هو الأظهر.
والمؤمنون: عباد الله المصدقون بقلوبهم تصديقاً تساعده جوارحهم، فيكون القلب مصدقاً وتظهر آثار ذلك التصديق على الجوارح، بأن تطيع الله، وتمتثل أمره، وتجتنب نهيه. فالإيمان في لغة العرب يطلق على التصديق (¬١)، ومنه {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} أي: بمصدقنا في أن يوسف أكله الذئب {وَلَو كُنَّا صَادقِين (١٧)} [يوسف: آية ١٧]. وهو في اصطلاح الشرع (¬٢): التصديق من جهاته الثلاث: وهو تصديق القلب بالاعتقاد، وتصديق اللسان بالإقرار، وتصديق الجوارح بالعمل. فالإيمان قول وعمل، ينقص ويزيد بحسب الأعمال الصالحة وعدمها على مذهب أهل السنة والجماعة الذي دلت عليه نصوص الوحي في القرآن والأحاديث الصحيحة بكثرة، كقوله: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح آية ٤] {زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: آية ٢] وما جرى مجرى ذلك من النصوص، وفي الحديث الصحيح: «إن الإيمانَ بِضْعٌ وسَبْعونَ -وفي بعضها: وَسِتُّونَ- شُعْبَةً أعْلاهَا: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عن الطَّريق» (¬٣) وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إماطة الأذى عن الطريق إيماناً، وقد سمى الصلاة إيماناً في قوله: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: آية ١٤٣] أي: صلاتكم إلى بيت
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (٥٥) من سورة البقرة.
(¬٢) مضى عند تفسير الآية (٤٨) من سورة الأنعام.
(¬٣) السابق.
الصفحة 19
631