كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

المقدس قبل نسْخ القبلة إليه. وهذا معنى قوله: {وَذِكْرَى لِلمُؤْمِنِينَ}.
ولما بيَّن (جل وعلا) أنه أنزل هذا الكتاب العظيم على هذا النبي الكريم، وأنه أنزله عليه لينذر به ويُذَكِّر، وأنه يجب على أمته أن تَأْتَسِي به في الإنذار بالقُرْآنِ والتذكير به، أَمَر من ذُكِّروا وأنذروا -أمرهم- بما ينبغي أن يفعلوا حول ذلك الإنذار والتذكير الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} [الأعراف: آية ٣] هذا الأمر للوجوب بإجماع العلماء، وصيغة (افعل) وإن اختلف فيها علماء الأصول هل هي تقتضي الوجوب، أو تقتضي الندب، أو تقتضي مطلق الطلب الصادق بالندب والوجوب، أو إن كانت في القرآن اقْتَضَتِ الوجوب، وإن كانت في السنة اقتضت الندب، هذه الأقوال وإن ذكرها علماء الأصول (¬١) فالصحيح المعروف الذي دَلَّ عليه الشرع الكريم واللغة التي نزل بها القرآن: أن صيغة (افعل) إذا جاءت في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كانت مقتضية لوجوب الامتثال، إلا أن يدل دليل آخر صارف عن ذلك الوجوب، ويكون ذلك الدليل يجب الرجوع إليه، والأدلة على هذا كثيرة: منها أن الله لما قال للملائكة: {اسْجُدُواْ لآدَمَ} [البقرة: آية ٣٤] كانت لفظة {اسْجُدُواْ} صيغة أمر، وهي لفظة (افعل) ومعروف أن المقرَّرَ في المعاني وفي أصول الفقه: أن الصيغ الدالة على الأمر التي تقتضي الوجوب أنها أربع صيغ لا خامسة لها (¬٢):
---------------
(¬١) راجع ما تقدم عند تفسير الآية (٤٤) من سورة الأنعام.
(¬٢) انظر: المذكرة في أصول الفقه ص١٨٨، نثر الوررد (١/ ١٧٦)، الأضواء (٥/ ٢٣٣).

الصفحة 20