كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

العبد ولم يسق سيده فأدَّبَه وضربه أن عامة أهل اللسان يقولون: إن هذا العتاب واقع موقعه، فلو قال العبد للسيد: أنت ظلمتني بعقابي هذا؛ لأن قولك (اسقني) صيغة (افعل) وهذه لا تُوجب ولا تلزم شيئاً!! لقال له أهل اللسان العربي: كذبت يا عبد، بل الصيغة ألزمتك، ولكنك امتنعت، فلسيدك أن يعاقبك. هذا وجه دلالة اللغة العربية على ما ذكرنا.
وعلى كل حال فقوله: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} هذا الأمر واجب بإجماع العلماء، فيجب على كل مسلم أن يتبع ما أنزله الله في هذا القرآن الكريم على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم. والسنة جميعها إنما هي قطرة من بحر القرآن العظيم؛ لأن القرآن بحر لا ساحل له، والسنة قطرة من بحره؛ لأن جميع ما جاء في سنة رسول الله يدخل في قوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: آية ٧] والعمل بما جاء عن رسول الله عمل بالقرآن العظيم، وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه جاءته امرأة تسأله عن ابنتها يريدها زوجها أن تُزف إليه، وقد تمعَّط شعرها، يعني: سقط شعرها، والشعر جمال المرأة، فهي تريد أن تصل شعر رأسها بشيء تجملها به لزوجها، فذكر ابن مسعود أن الواصلة شعرها بشعر غيرها ملعونة في كتاب الله، فجاءته المرأة بعد ذلك وقالت له: لقد قرأت ما بين اللوحتين أو ما بين الدفتين فلم أجد لعن الواصلة في كتاب الله!! فقال لها: إن كنت قَرَأْتِيهِ فَقَدْ وجدتيه، أوَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}؟ قالت: بلى. قال: هو صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة (¬١).
وهذا مما يدل على أن كل ما في سنة رسول الله فالعمل
---------------
(¬١) هنا وقع للشيخ (رحمه الله) وَهْمٌ حيث أدخل حديثاً في حديث آخر؛ ذلك أن حديث ابن مسعود في أنه لعن النامصات .. إلخ، فراجعته امرأة من بني أسد محتجة بأنها لم تجد هذا اللعن في كتاب الله وهذا الحديث أخرجه البخاري في التفسير، باب (وما آتاكم الرسول فخذوه) حديث رقم (٤٨٨٦) , (٨/ ٦٣٠)، وأخرجه في مواضع أخرى انظر: الأحاديث (٤٨٨٧، ٥٩٣١، ٥٩٣٩ ٥٩٤٣، ٥٩٤٨)، ومسلم في اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، حديت رقم (٢١٢٥)، (٣/ ١٦٧٨).
وأما المرأة التي سألت عن وصل شعر ابنتها: فهي امرأة من الأنصار سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ابنة لها زوَّجتها فمرضت فتساقط شعرها، قالت: أفأصل شعرها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواصلة ... » إلخ.
وقد روى هذا الحديث من الصحابة:

١ - عائشة (رضي الله عنها) وقد أخرجه البخاري في اللباس، باب: وصل الشعر، حديث رقم: (٥٩٣٤)، (١٠/ ٣٧٤)، وطرفه في: (٥٢٠٥). ومسلم في اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، حديث رقم: (٢١٢٣)، (٣/ ١٦٧٧).
٢ - أسماء (رضي الله عنها) وقد أخرجه البخاري في اللباس، باب: وصل الشعر. حديث رقم: (٥٩٣٥)، (١٠/ ٣٧٤). وطرفاه: (٥٩٣٦، ٥٩٤١). ومسلم في اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، حديث رقم: (٢١٢٢)، (١٦٧٦). هذا وقد ورد في لعن الواصلة أحاديث أخرى منها حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة (رضي الله عنهما) وهما في الصحيحين.

الصفحة 23